هل سيتمّ احتلال غزة؟
سعادة مصطفى أرشيد
اتخذت حكومة الاحتلال قرارها باجتياح غزة بالكامل واحتلال كامل أراضيها، وخطت بهذا الاتجاه نحو إزاحة مجموعة كبيرة من أهل القطاع إلى منطقة المواصي التي تقع جنوب خان يونس، وكل ذلك جاء بخلاف نصائح وتقديرات الجيش وأجهزة الأمن ووزارة الدفاع الذين يرون في هذه الخطوة مغامرة غير محسوبة قد تحقّق نصراً زائفاً على المدى القصير، ولكنّها على المدى الاستراتيجيّ ستكون بالغة الخطورة، حيث سيدخل الإسرائيليّ جيشاً وحكومة في مصيدة ومستنقعٍ يستنزفهما ويجعل من الخروج منه أمراً غير ممكن إلا بخسائر باهظة تذهب بالنصر الزائف.
مما لا ريب فيه أن ضوءاً أخضر كان قد انطلق شعاعه من البيت الأبيض موافقاً ومباركاً هذا الخيار، وفي تصريح للرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الجمعة الماضي قال فيه إن واشنطن تعمل على نقل أهل غزة إلى دولة أرض الصومال (صوماليا لاند) غير المعترف بها والذي يعني أن قبولها باستقبال أهل غزة سيكون عاملاً حاسماً لاعتراف الولايات المتحدة بها، وبالتالي اعتراف معظم دول العالم بها.
لم يمثل قرار حكومة الاحتلال مفاجأة من خارج الصندوق لمن يتابع بدقة مجريات الأمور فهذه النتيجة جاءت منسجمة مع مقدّماتها. فالحرب تدور بدون أهداف (إسرائيليّة) محدّدة إلا هدف الاستمرار في الحرب، وهكذا يرى كثيرون منهم عاموس يادلن رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، وهي أيضاً مقدّمة ضرورية لتحقيق رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي صرّح عقب انتخابه لرئاسته الثانية أن غزة مكان جميل يستحق أن يكون ريفيرا جديدة تبنى فيه أرقى الفنادق وصالات القمار والمسابح وأماكن السياحة الراقية وأن تكون فيه صناعات دقيقة على طريقة وادي السيليكون في الولايات المتحدة، إضافة إلى استثمارات الغاز الواعدة في الساحل المقابل لغزة، ثم عاد ليؤكد في شباط الماضي أثناء مؤتمر صحافي تشارك فيه مع بنيامين نتنياهو أن بلاده هي من سيدير غزة بعد الحرب. وهذا بالطبع يتطلّب إعادة الإعمار وقبل ذلك إزالة الركام والأنقاض للمباني التي دمرتها الحرب، الأمر الذي سيأخذ سنوات طويلة على أهل غزة خلالها أن يغادروا ريثما يتمّ ذلك، ولكن ما في ذهن الإسرائيلي والأميركي أن يغادروا إلى غير عودة.
هل ستنفذ حكومة الاحتلال هذا القرار أم أن التقديرات التي تذهب للقول إن القرار المتخذ باحتلال غزة لا يعني ممارسته بالكامل بقدر ما يعني تصعيد الحرب والتهديد بالاحتلال لدفع المقاومة للقبول بالشروط الأميركية الإسرائيلية، وهل صحيح ما يراه بعض منا أن الجمهور الإسرائيلي منقسم؟ وقد يكون في ذلك شيء من الصحة ولكن ليس صحيحاً أنّ الإسرائيليين غير مجمعين على عدائنا، ولكن الخلاف هو حول الطريقة والأسلوب وحول شخص رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
قرار المقاومة حتى الآن غير موجود في قطر وإنما في غزة وبيد مَن يحمل السلاح، ومَن يحمل السلاح هذا يدرك صعوبة المرحلة وخطورتها ويدرك أيضاً أنّ في المقاومة واستمرارها احتمالات نجاة ولو قليلة، ولكن في الاستسلام والقبول بالشروط الأميركية الإسرائيلية فإن إمكانيات النجاح معدومة.