لاريجاني صانع سياسات إيران دولة كبرى
ناصر قنديل
– يتمادى بعض اللبنانيين في استخدام طول ألسنتهم، للتحدّث ببذاءة عن دور دولة كبرى في الإقليم هي الجمهورية الإسلامية في إيران، وعن زيارة شخصية إيرانية وازنة تسلّمت موقعاً حساساً مؤخراً، هي الدكتور علي لاريجاني أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني، متجاهلين من جهة حجم تأثير إيران في المنطقة واهتمام دول العالم بمن فيهم أميركا وأوروبا والفاعلون الكبار في المنطقة على رأسهم السعودية بالعلاقات مع إيران، ومتجاهلين من جهة موازية العلاقات الخاصة التي تربط إيران بمكوّن لبناني كبير تفترض علاقات الأخوة بين اللبنانيين مراعاتها في الخطاب. وهؤلاء اللبنانيون الذين يقدمون ألسنتهم الطويلة أوراق اعتماد عبر العداء لإيران، ينكرون أن مشغليهم الكبار لا يرغبون بلغة العداء رغم التباينات، وأن «إسرائيل» وحدها تريد هذه اللغة العدائية، بل إن المستغرب هو تطاول هذه الألسنة على إيران ورموزها وقياداتها، هي الألسنة ذاتها التي صمتت على كلام المبعوث الأميركي توماس باراك عن ضمّ لبنان إلى سورية وشطب لبنان كدولة عن الخريطة، ولم ينتفضوا لما يزعمونه من خلفية سيادية في مواقفهم، بل إنهم تجاهلوا كلام رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عن مساعدة قدّمها للدولة اللبنانية في قرار نزع سلاح المقاومة.
– المقاومة في لبنان لا تحتاج إلى حماية إيران للدفاع عن موقفها من السلاح الذي أعلنت موقفها من دعوات نزعه بمعزل عن موقف إيران. ورغم كل الكلام عن أن هذا السلاح موجود لتقديم الدعم لإيران عندما تتعرّض للعدوان، فإن هذا السلاح وغيره من سلاح قوى المقاومة في المنطقة لم يتدخّل، والذين بنوا سياساتهم على اتهام هذا السلاح بتخديم الأمن الإيراني ابتلعوا ألسنتهم الطويلة ولم يشعروا بالحرج. والرهان على أن الحملات التي تناولت إيران سوف تسمح باستفراد المقاومة، وهم كامل، لأن مشكلة قرار نزع السلاح هي مع اللبنانيين الذين لم تنجح الدولة الموعودة أن تشعرهم بأنها الدولة التي تحمي وتدافع وتحرّر، وتوفر لهم الأمان الذي شعروه ولمسوه طيلة سبعة عشر عاماً في ظل هذا السلاح حتى آخر شبر من الأراضي اللبنانية على الحدود، والمقاومة برفض قرار الحكومة تنفذ مشيئة هؤلاء اللبنانيين الذين تمثلهم في البرلمان والحكومة وهم يجمعون على الرفض القاطع للمساس بالسلاح.
– المسؤولون اللبنانيّون يعرفون أن قرار نزع سلاح المقاومة جاء ترجمة لبنانيّة لورقة غير لبنانيّة قدمها مرجع غير لبناني هو توماس باراك، وهو بالتالي قرار غير لبناني المنشأ، كما يعرفون أن مسعى سعودياً حثيثاً رافق صدور القرار، وأن الواقعية السياسية والعقلانية السياسية بعد الرفض المعلن للقرار من شرائح لبنانية تمثل طائفياً ونيابياً ووزارياً وشعبياً ما يكفي لإحداث أزمة وطنية كبرى. والتعامل مع زيارة شخصيّة ذات مكانة مفصليّة في النظام السياسي الإيراني، هي الدكتور علي لاريجاني الذي يبدو بوضوح لكل مراقب أن توليه مهام الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني، وهو الآتي من صفوف الحرس الثوري الى رئاسة البرلمان، ثم إلى موقع استشاريّ لدى مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران، باعتبارها فرصة لالتقاط الأنفاس وتنفيس الاحتقان أولاً، ثم فتح الطريق للاستعانة بقنوات الحوار السعوديّ الإيرانيّ للمساعدة بترتيبات حوار لبناني لبناني، تملك إيران والسعودية القدرة على المساعدة في إطلاقه وضمان إجرائه في مناخات بحث جدّي عن مخارج وحلول، تستطيع السعودية تسويقها لدى الأميركي، خصوصاً بما يتصل برد الاعتبار للأولويات التي تضمنها القرار 1701 كمرجع حصريّ لمعالجة تداخل أمرَيْ الاحتلال والسلاح، واستحالة الفصل بينهما.
– من المستغرب أن يفكر بعض اللبنانيين وهم يدّعون الحرص على بلدهم، أن الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، وهي دوائر تأثير سعودية مباشرة، يمكن أن تتحول إلى مؤسسات عدائية إيران غب طلباتهم، وهم يعلمون أو يستطيعون أن يعلموا إن شغلوا عقولهم وعقول مستشاريهم، أن العرب والخليجيين خصوصاً انتقلوا من الاشتباك الى التشبيك، وأن الحرب الأخيرة زادتهم حرصاً على الأمن الإقليمي وأنهم أبلغوا أميركا عدم استطاعة بلدانهم تحمل تبعات وعواقب مواجهة أميركية إيرانية، وأن عملية تحديث المعطيات القديمة التي تمّ تزويدهم بها كانت كافية للامتناع عن إطلاق الكلام على عواهنه.