kayhan.ir

رمز الخبر: 211087
تأريخ النشر : 2025August11 - 19:50

جبل الشيخ تحت الاحتلال.. القلعة الإسرائيلية الجديدة في قلب المشرق

 

وائل المولى

منذ سقوط النظام السوري في أواخر 2024، بدأ الاحتلال الإسرائيلي يعيد رسم الخرائط في الجنوب السوري، ويؤسس لواقع استراتيجي جديد لا يقتصر على فرض النفوذ العسكري بل يمتد إلى هندسة البيئة السياسية والأمنية الإقليمية، بتواطؤٍ غير معلن من بعض القوى الدولية والإقليمية.

‏ ماذا تريد "إسرائيل" فعلاً من سورية؟

‏‏لا يمكن المرور مرور الكرام على اختيار "إسرائيل" اسم "سهم باشان" لعمليتها العسكرية في سوريا بعد 8/12/2024، في إشارة توراتية تحمل دلالات توسعية. ‏فمن بين عشرات المواقع التي تمدد إليها الاحتلال، يبرز جبل الشيخ – أو جبل حرمون الكنعاني – باعتباره موقعاً مفصلياً في الاستراتيجية الصهيونية الجديدة.

‏‏الجبل، الذي ترتفع قمته إلى 2814 متراً، يطل على لبنان وسوريا وفلسطين وشمالي الأردن، ويمكن منه مراقبة العراق ومصر، وربما ما هو أبعد، إذا أتيح لإسرائيل تطوير قدراتها التقنية فوقه.

‏إقامة قاعدة استخبارية متطورة على هذا الارتفاع – ومن قبل وحدة 8200 تحديداً – يهدف لإقامة رادار دائم يراقب المنطقة بزاوية 360 درجة، ويربط البر بالجو، والمراقبة بالتجسس، والسيادة بالتفوق السيبراني.

‏‏‏دمشق في مرمى النيران

‏‏يبعد الجبل أقل من 35 كيلومتراً عن دمشق – أي ضمن مدى قذائف "أكسكاليبر" الموجهة، والتي حصلت عليها دول مثل الأردن – ما يرجح أن تكون "إسرائيل" قد امتلكتها هي الأخرى.

‏لكن الأخطر من ذلك أن وجود الاحتلال اليوم لا يقتصر على جبل الشيخ، بل يمتد إلى قطنا (21 كلم عن دمشق) في مقر اللواء 78، الذي تحول إلى قاعدة شبه ثابتة زارها المتحدث باسم الاحتلال أفيخاي أدرعي مؤخراً، في رسالة واضحة: الاحتلال حاضر على بوابة العاصمة السورية.

‏‏‏الفكرة الكبرى: هندسة البيئة الإقليمية

‏‏لكن جبل الشيخ ليس نهاية القصة، بل مجرد أحد تجليات مشروع أكبر: تحويل الجنوب السوري إلى منطقة منزوعة السلاح، ومحمية أمنية إسرائيلية، تطلّ على قلب سورية وتخترق عمق لبنان.

‏الحديث المتصاعد عن نزع سلاح حزب الله في مناطق مثل النبطية، راشيا، والبقاع، وكذلك محاولات إعادة تفسير القرار 1701 ليشمل شرق الليطاني وشماله، يهدف إلى فرض حل أمني دائم يخدم القاعدة الجديدة في جبل الشيخ ويؤمن محيطها بالكامل.

‏‏‏من الحديقة الخلفية إلى البستان الأمني

‏‏من هنا نفهم: إسرائيل لا تريد فقط قاعدة عسكرية.

‏إنها تسعى إلى خلق "حديقة خلفية استراتيجية" تمتد من سيناء، مروراً بالجولان، وصولاً إلى الجنوب اللبناني، حيث تحظى بحرية مطلقة للعمل العسكري، وتضمن شلّ أي قوة قادرة على الرد أو حتى الاعتراض.

‏‏لذلك تهاجم الغارات الإسرائيلية جنوب سورية بلا توقف، وتستهدف من تصفهم بـ"المجموعات الجهادية التي تشكل خطراَ على اسرائيل ، وتستغل تلك الذرائع لبناء واقع تدريجي يجعل من الوجود الإسرائيلي حالة طبيعية ومحمية.

‏وتأتي الحملات الإعلامية، والتقارير الغربية (مثل تقرير جامعة "ليولا ماري ماونت" الأميركية)، لتضخّم "الخطر الإيراني"، وتحشد الدعم لاستراتيجية الاحتلال الجديدة.

‏‏من سهم باشان إلى مشروع الهيكل الكبير

‏‏إن تسمية العملية بـ"سهم باشان"، ليست بريئة. إنها تعبير عن رؤية اسرائيلية توراتية – متجذرة – ترى أن أمن "إسرائيل" لا يتحقق إلا بامتدادها الجغرافي شرقاً.

‏لا عجب إذن أن يظهر سموتريتش، وزير مالية الاحتلال، ليعلن صراحة أن "القدس ستتمدد إلى دمشق"، وأن المشروع الصهيوني سيشمل كل الأراضي الفلسطينية، وسوريا ولبنان والأردن والعراق ومصر والسعودية.

‏‏‏ نسخة مكررة: سيناء، جنوب لبنان، غزة، والآن سوريا

‏‏تسعى "إسرائيل" إلى تكرار نموذج المناطق منزوعة السلاح الذي طبقته في سيناء بعد كامب ديفيد، وفي جنوب لبنان بعد القرار 1701، وفي غزة والضفة بعد أوسلو، وتطبيقه الآن في جنوب سورية.

‏لكن التجربة أثبتت: كلما تراجعت السيادة الوطنية في هذه المناطق، نشأت بيئة خصبة للفوضى، والإرهاب، والتدخلات الأجنبية – وكل ذلك يصب في مصلحة الاحتلال.

‏‏‏الاحتلال الإسرائيلي في جنوب سورية ليس طارئاً ولا موضعياً، بل هو رأس حربة في مشروع استراتيجي طويل الأمد يهدف إلى إخضاع سورية ولبنان والأردن، وتأمين شريط أمني دائم حول فلسطين المحتلة، وتجريد قوى المقاومة من أي قدرة على الرد أو المبادرة.

‏وما جبل الشيخ إلا منصة مراقبة لهذا المشروع، و"سهم باشان" ليس إلا الطلقة الأولى في قلب المشرق.