نتنياهو والعدّ التنازلي
– قد يبدو الكلام عن بنيامين نتنياهو وعدّ تنازلي بعيداً عن الواقع للكثيرين المأخوذين بما يعتقدونه نجاح نتنياهو في الفوز بحروب المنطقة وتغيير البيئة الاستراتيجية فيها، على قاعدة جمع سقوط النظام المؤيد للمقاومة في سورية لصالح نظام يعاديها، بالتزامن مع إلحاق خسائر جسيمة بالمقاومة في لبنان وفلسطين والجمهورية الإسلامية في إيران.
– يتجاهل هؤلاء أن كلفة ما حققه نتنياهو كانت عالية جداً على كيان الاحتلال، حيث سقطت الثقة بأن الكيان آمن، وقد هزّت جغرافيته صواريخ المقاومة من غزة ولبنان واليمن والعراق وإيران وأصابت أغلب مدنه ومنشآته، هذا إضافة إلى ما أصاب جيشه في إثبات تفوقه خصوصاً في حروب البر، وعجزه عن تعبئة موارد بشرية كافية لخوض حروب الجبهات المتعددة، وتراجع الروح المعنوية لقواته ونخبها المقاتلة خصوصاً، وصولاً إلى تشقق البيئة السكانية على عدة فوالق سياسية وأمنية واجتماعية ودينية، وكانت الخسارة الكبرى غير القابلة للترميم ما لحق بمكانة الكيان في شوارع الغرب وجامعاته ومجتمعاته ونخبه بما لم يسبق حدوثه منذ نشأة الحركة الصهيونية.
– ربما ينظر البعض إلى حجم التوحش والإجرام في حرب الكيان من جهة، وإلى نواياه التصعيدية من جهة ثانية، وتمسكه بالاحتلال ومواصلة الاعتداءات من جهة ثالثة، كعلامات قوة للكيان وحكومته، لكنها في الحقيقة تعبير عن الفشل في تحقيق نصر عسكري على المقاومات من جهة، وعجز عن إنهاء الحرب وفق صيغة تضمن حفظ تماسك الكيان من جهة ثانية، بحيث يصير استمرار الحروب تعبيراً عن العجز عن الخروج منها وليس أملاً بالفوز بها.
– تتيح مراقبة مسار ثلاثة عناصر في وضع الكيان الاستنتاج بدخول مرحلة العدّ التنازلي لحروب نتنياهو، العنصر الأول هو قدرة الجيش على مواصلة خوض الحروب وحجم الإنهاك والتآكل، بما يجعل رئيس الأركان المنتمي لمعسكر التطرف الاستيطاني يقرع جرس الإنذار طلباً لوقف الحرب، والعنصر الثاني تصاعد وتنامي حجم التظاهرات المعارضة التي حققت نقلة نوعية بالانتقال من بضعة آلاف إلى رقم مئة الف متظاهر في شوارع تل أبيب، وهذه النقلة تعتبر نقطة البداية في مسار مرشح لبلوغ رقم ربع المليون ونصف المليون قريباً، أما العنصر الثالث فهو بلوغ الغضب الشعبي في أوروبا وأميركا حداً يصعب تجاهله من الحكومات ويصعب على حكومة الكيان تحمل تداعيات التموضع الجديد لحكومات الغرب تحت تأثير شعوبها، وهو تموضع آخذ بالابتعاد عن الكيان والتوجّه لممارسة الضغوط عليه، بصورة لا يمكن للكيان تجاهلها والتأقلم معها.
– كلام رئيس الأركان عن إنهاك الجيش ومظاهرة المئة ألف ووقف ألمانيا لإرسال الاسلحة إشارات لبلوغ عناصر التآكل في وضع نتنياهو مرحلة يجب توقع تسارعها بصورة تجعل السقوط المدوّي قريباً.
البناء