القصور العقلي لعبور الثوابت
فرق ما بين ارادة الدول وما يريده القانون لاسيما ان كان صادراً عن منظمات دولية فانه سلاح الضعفاء، كما عودتنا الامم المتحدة بان لها وجهان: الرحمة والسلام والتظلم ووجه عنيف قاس بلا رحمة. فباستخفاف العقول يتم العبور من كل الثوابت انها حالة استلاب الشخصية، والقوى الاستبدادية تعلم جيداً اننا أمة الشعر والف ليلة وليلة، فتم تكبيل العالم العربي بقيود الاستهلاك البهيمي لتسلب الارادة السياسية في وضح النهار وامام اعيننا انه زمن الموت العربي واقتيات الجهل.
فمؤتمر اممي بمبادرة عربية اوروبية يسلط عليه كل الاضواء يحاول ربط الاستقرار الدولي والاقليمي بحل سياسي للقضية الفلسطينية تحت عنوان "حل الدولتين" بقيام دولة فلسطينية بمساحة الضفة الغربية وقطاع غزة بان تكون القدس الشرقية عاصمتها. انها في الظاهر شرعنة الاحتلال وعودة المسار الابراهيمي، الذي هرولت اليه بعض الدول العربية لتكمل مشوار التطبيع مع "اسرائيل" لقاء حل الدولتين والذي لم تقبل به "اسرائيل" لان فيه تمثيل سياسي للفلسطينيين يحظى بمقبولية دولية.
فقبل عام 1967 كانت الانظمة العربية تطالب تل ابيب بالانسحاب الى حدود عام 1948 وبعد عام 1967 تراجع هذا الموقف لمطالبة الصهاينة بالانسحاب الى حدود عام 1967. وكان قرار الامم المتحدة 242 يقر بمبدأ السلام مع "اسرائيل" مقابل ارض احتلتها عام 67، ولم يعترف بذلك يومها رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الا بعد ضغوط الملك الاردني حسين بن طلال عام 1988، لان هناك عقدة تتعلق بالاردن جراء التداخل السكاني والتاريخي اذ أن اكثر من 60% من سكان الاردن هم فلسطينيون. انها دولة بلا حدود وهي نظرية "ارييل شارون" بان الاردن وطن الفلسطينيين. فاهمية الارض لا تقاس بالمساحات بقدر ما تقاس بابعاد معنوية وحق تاريخي.
ان الشروط التي على اساسها يسمح بالحديث عن حل الدولتين هي نفسها التي كانت اميركا قد طرحتها في ثمانينات القرن الماضي: بان يتم طرد "الارهابيين" الفلسطينيين من الحكومة وتعيين عناصر "معتدلة" بينما يصر الصهاينة على رفض اقامة دولة فلسطينية مستقلة. انهم يتفاوضون مع شخصيات فلسطينية لا مع حكومة فلسطينية، ولذا اغرقوا الساحة بالمبادرات التفاوضية المضادة لفكرة المؤتمر الدولي التي تتحرك الخطة الدولية على اساسها، وبتحويل الشعب الفلسطيني الى لاجئين، ويصف المبادرة اليوم المتشددون الصهاينة مثل "ساعر" بانها حملة مضللة، فيما يصفها "لابيد" انها كارثة سياسية وانهيار للحكومة، وهكذا قرار الكنيست الاسرائيلي بعدم قبوله بحل الدولتين. الا ان مربط الفرس في بيان الخارجية الاسرائيلية بعدم القبول بهذا الحل ما دامت حماس في السلطة اي لها تمثيل في غزة. ولذا يعتبرون الامر مكافأة لحماس، كما اعتبره "روبيو" بانه مكافأة لحماس. اذن هو ضغط على حماس حتى تستسلم. واللافت هو ان رئيس الوزراء البريطاني "ستارمز" قد امهل "اسرائيل" الى شهر سبتمبر بان بريطانيا ستعترف بالدولة الفلسطينية ما لم تتخذ "اسرائيل" خطوات لانهاء الوضع المروع في غزة. اذن هو ضغط لانهاء حركة حماس التي دعت الى تصعيد الحراك الجماهيري ايام الجمعة والسبت والاحد "1، 2، 3 من آب" ضد استمرار العدوان والابادة والتجويع الصهيوني في غزة. على ان يكون يوم الاحد 3 آب يوماً عالمياً لنصرة غزة والقدس والاقصى. على ان تتواصل حالة الحراك في كل الايام القادمة في المدن والساحات والعواصم حول العالم عبر المسيرات الحاشدة والمظاهرات الغاضبة وامام السفارات الصهيونية والاميركية وسفارات الدول الداعمة للاحتلال في كل انحاء العالم.
وهكذا اجمع العرب على حل الدولتين كخيار للسلام والاستقرار في المنطقة كما نطق نيابة عنهم وزير الخارجية السعودي "فيصل بن فرحان": ان الامن والسلام لا يتحققان عبر فرض الامر الواقع. فهل ان التبشير بحل الدولتين مدخل لاستقرار اقليمي ودولي رادع لعدوان الكيان الصهيوني وتحييد اميركا من دعمها لكيان الاحتلال أم يخضع لمعادلات القوى الكبرى وعنجهيتها في رسم ما يصب لصالحها كما سمعنا من استهزاء ترامب بموقف الرئيس الفرنسي ماكرون باعلان الاستعداد بالاعتراف بدولة فلسطينية؟
انها نفس المخططات منذ قرن من الزمن في التلاعب بمصير الشعوب واستضعافها ولن تنطلي على المخلصين من الامة وقادتها الصادقين في مواقفهم. وليس بعيداً عن الذاكرة كيف مرغ سماحة قائد الثورة الامام الخامنئي انف "اسرائيل" في حكمته بادارة حرب الـ12 يوماً المفروضة على ايران والتي في مراسم احياء ذكرى الاربعين لشهدائها يوم الثلاثاء الماضي كان لسماحته كلمة تعطي القوة لقلوب المؤمنين حين قال: "ان الحرب فرصة لتجلي ارادة الجمهورية الاسلامية وقدرتها ولابراز متانة اسسها الفريدة... وان الشعب لن يتخلى عن مسار تعزيز الايمان وتوسيع المعارف المتنوعة وسنستطيع رغم انف الاعداء ايصال ايران الى قمة التقدم والعزة".