دلالات وتأثير إقرار زامير بحاجة جيش الاحتلال في غزة إلى هدنة طويلة
حسن حردان
عكست تصريحات رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، أيال زامير، حول ضرورة التوجه نحو هدنة طويلة الأمد في غزة، حتى دون الحسم عسكرياً مع حركة حماس، عكست مدى الإرهاق الذي بات يعاني منه جنود العدو في غزة، بفعل نجاح المقاومة بإغراقهم في حرب استنزاف عالية الكلفة، بشرياً ومادياً…
على أنّ هذه التصريحات وما تشكله من إقرار على لسان أرفع مسؤول عسكري “إسرائيلي”، تأتي في توقيت تشتدّ فيه معركة المفاوضات في الدوحة للتوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى، فيما تزيد “إسرائيل” من ضغطها على المقاومة عبر حرب تجويع الشعب الفلسطيني في محاولة منها لانتزاع صفقة تبادل جزئية لا تنص على ايّ ضمانات بالانسحاب من غزة ووقف الحرب.. بينما تصعد المقاومة من عملياتها النوعية ضدّ جيش الاحتلال وتوقع يومياً المزيد من القتلى والجرحى في صفوف جنوده…
لكن تصريحات زامير تعبّر عن دلالات مهمة تتعلق بعدم قدرة جيشه على الاستمرار في حرب الاستنزاف، وتأثير ذلك على القرار السياسي والمفاوضات الجارية..
أولاً، دلالاتها على صعيد جيش الاحتلال:
1 ـ حاجة جيش الاحتلال إلى “هدنة عملياتية” حسبما تشير تصريحات زامير، حيث أشّرت إلى أنّ جيشه وصل إلى نقطة لا يستطيع فيها مواصلة العمليات المكثفة بنفس الوتيرة.. لأنّ الحرب الطويلة استنزفت قدراته البشرية والمادية.
2 ـ تعطيل خطط إعادة البناء والتطوير: إنّ عدم إجراء تدريبات كبيرة بالذخيرة الحية للعام الثاني على التوالي، خاصة في الجبهة الشمالية، بات يؤثر سلباً على الجاهزية القتالية ويعيق تطوير الجيش وتحديثه. هذا يعني أنّ الحرب في غزة أصبحت عائقاً أمام الاستعداد لمواجهة تهديدات أخرى محتملة.
3 ـ التأثير على تماسك الجيش: تحذير زامير من مخاطر تمسّ تماسك الجيش من الداخل، وتصاعد التوتر نتيجة الإرهاق وغياب خطة خروج واضحة، يشير إلى تدهور معنويات الجنود والضباط، وهو ما يهدّد قدرة الجيش على الحفاظ على وحدته وفعاليته.
كلّ هذه النقاط تشير بقوة إلى أنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يعد قادراً على الاستمرار في تحمّل حرب استنزاف مكلفة، تشنّها ضدّه حركات المقاومة في غزة، دون عواقب وخيمة على جاهزيته وتماسكه.
ثانياً، تأثير تصريحات زامير على قرار مواصلة الحرب..
من الطبيعي أن يكون لهذه التصريحات تأثير كبير على قرار الحكومة الإسرائيلية، ولكن ليس بالضرورة أن يؤدي إلى وقف فوري للحرب:
1 ـ ضغط متزايد لوقف إطلاق النار: تؤدي هذه التصريحات إلى مزيد من الضغط على القيادة السياسية للنظر بجدية في وقف إطلاق النار، أو التوصل إلى هدنة طويلة الأمد.. خاصة عندما يعلن قائد الجيش عن حاجة الجيش إلى “هدنة طويلة”، فإنّ ذلك لا يمكن تجاهله.. لأنه يعكس واقع الضباط والجنود الذين باتوا يضغطون لإخراجهم من مستنقع الاستنزاف في غزة.
2 ـ الموازنة بين الأهداف العسكرية والسياسية: قد تحاول حكومة العدو الموازنة بين الحاجة الملحة للجيش للتعافي وبين أهدافها السياسية المعلنة، مثل القضاء على حماس. من الممكن أن تسعى الحكومة إلى تحقيق “إنجازات” معينة قبل القبول بهدنة، أو أن تسعى لهدنة تسمح للجيش بإعادة تنظيم صفوفه دون أن تبدو وكأنها تتراجع عن أهدافها.
3 ـ انقسامات داخلية: من المحتمل ان تزيد هذه التصريحات من الانقسامات داخل الحكومة الإسرائيلية والشارع الإسرائيلي حول استراتيجية الحرب ومستقبلها.
ثالثاً، تأثير التصريحات على المفاوضات:
من دون أدنى شك فإنّ تصريحات زامير ستؤثر بشكل مباشر على المفاوضات الجارية في قطر، حيث ستؤدي الى:
1 ـ تقوية موقف المقاومة، لأنّ مثل هذه التصريحات تمنح حركة حماس وغيرها من حركات المقاومة ورقة مساومة قوية. فإذا كان جيش الاحتلال الإسرائيلي مرهقاً ويحتاج إلى هدنة طويلة، فإنّ حماس ستشعر بأنها في موقف تفاوضي أقوى ويمكنها التمسك بمطالبها بشكل أكبر.
2 ـ الضغط من أجل هدنة طويلة الأمد: ستزيد هذه التصريحات من الضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لقبول هدنة طويلة الأمد كشرط لأيّ اتفاق، بدلاً من هدنة قصيرة أو متقطعة.
3 ـ تنازلات إسرائيلية محتملة: قد تضطر “إسرائيل” لتقديم تنازلات أكبر في المفاوضات، سواء في ما يتعلق بشروط الهدنة، أو تبادل الأسرى، أو إدخال المساعدات، من أجل الحصول على “هدنة عملياتية” التي يحتاجها جيشها.
4 ـ تؤدي تصريحات زامير إلى دفع الرأي العام الإسرائيلي وخصوصاً عائلات الجنود إلى تصعيد تحركاتهم للضغط على حكومتهم لقبول صفقة توقف الحرب.
باختصار، تحمل تصريحات رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي دلالات قوية على أنّ الجيش يواجه تحديات جدية في القدرة على مواصلة القتال، مما يزيد من الضغط على الحكومة الإسرائيلية لإعادة تقييم استراتيجيتها في غزة، ويؤثر بشكل كبير على مسار ومضمون المفاوضات الجارية.. بما يعزز موقف المقاومة ويؤكد انّ استراتيجيتها في استنزاف جيش الاحتلال، بدأت تؤتي ثمارها.