تجربة اثني عشر يوماً من الصمود والهجوم الايراني
بعد انتهاء حرب الـ12 يوماً من اميركا والكيان الصهيوني و... ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية، هل ستبقى الموازنة العسكرية بين الجانبين والتي شهدت الارجحية لايران، مستحكمة ام يعتريها التغيير؟ والرد يحوز اهميته لتعلق آفاق المنطقة وغرب آسيا بها.
فحين بدأت الحرب الاخيرة لاسيما في اليوم الاول حيث وجهت ضربات للقيادة العسكرية الايرانية، انتاب المسلمون القلق فهم يرون الجمهورية الاسلامية الايرانية جبهتهم قبال النظام الاستبدادي، ومنشأ القلق يعود الى الخشية من ان تكون المعادلة العسكرية في المنطقة لصالح اميركا والكيان الصهيوني. وقد شهدنا ملامحه خلال موسم حج هذا العام بين مختلف المذاهب، من اندونيسيا في اقصى الشرق الاسلامي والى المغرب في اقصى المغرب الاسلامي.
وللاجابة على التساؤل بانه هل حصل تغيير في المعادلة العسكرية تعتمد على تحليل دقيق لحرب الـ12 يوماً. فمتابعة الخبراء تظهر ان رئيس وزراءالكيان الغاصب قد قدم قبل اسبوعين من بداية الحرب برنامجاً دقيقاً عسكرياً للرئيس الاميركي بانه باسناد عسكري اميركي دون الحاجة لتدخل مباشر يمكن السيطرة على المنظومة العسكرية الايرانية وتوجيه ضربة سريعة لها كي توضح ايران لكل ما تفرضه اميركا خوف الدمار الشامل. وهكذا بدأت الحرب وخلال الايام الثلاثة الاولى بشكل اندفعت اميركا والحكومات الاوروبية لمطالبات اكبر من الموضوع النووي الا ان الامور انقلبت بسرعة ختى بلغت ان اميركا في اليوم الـ12 قد قبلت ان تكون الضربة الاخيرة لايران كي يلتئم قرار وقف اطلاق النار فيما تلقت "اسرائيل" من الضربة الاخيرة الضرر الاساس، هذا في الوقت الذي كانت الضربة بعد ساعتين من قرار ايقاف الحرب.
ان ما كان مقرراً من هذه الحرب ان تشل قوى ايران من اول ضربة وعلى ذلك تم تخطيط عمليات اغتيال القادة العسكريين، وبالضربات بعدها تصاب ايران بالانفعال وفقد القدرة الدفاعية، ولذا كان الكيان الصهيوني يتحدث بحماقة عن تغيير النظام. وان بعض الاخبار تعكس ان الجيش الاسرائيلي وقبل الهجوم قد تمرن خطوة بخطوة وبلغ الاطمئنان الكامل، الا انه في اليوم الرابع أقر أن "بالرغم من ان رأس القيادة العسكرية الايرانية تضرر الا ان منظومة القرار والتنفيذ العسكري يعمل جيداً وهذا يعني ان بامكان ايران الاستمرار في الحرب بسهولة ويقود نسق القتال".
واستمرت الحرب حتى بدأ قلق الكيان في اليوم الثامن، اذ ذكرت قيادة الجيش الاسرائيلي "ان ايران عبرت جميع الخطوط الحمر" واعلن في اليوم التاسع "من دون تدخل اميركي مباشر ستطول الحرب وبامكان اسرائيل ان تحقق جميع الاهداف الحربية". وبعد ذلك دخلت اميركا الحرب مباشرة فيما كان ترامب قد ادعى ان لـ"اسرائيل" اليد الطولى، ولذا هاجم في اليوم الحادي عشر ثلاث مراكز نووية ايرانية.
وانتهى الهجوم الاميركي على المنشآت النووية الايرانية في اجواء ضبابية وبالطبع ادعى ترامب انه دمر قدرات ايران النووية ولكن المحافل الرسمية والاعلام الاميركي قد اعلن "ان ادعاء ترامب غير مؤكد فهومبالغ فيه". وهدد ترامب انه اذا عزمت ايران الرد على الهجوم الاميركي ستواجه بهجمات أشد لا يمكن جبرها. ولكن بعد ساعات وبشكل سري اتصل بأمير قطر وحدد مكاناً كي توجه ضربتها، وتلك المنطقة في العراق، فاوصل القطريون رسالة واطمأن الاميركان ان ايران سوف لا ترد بقوة وستكتفي بالمنطقة التي حددت. ولكن بعد 17 ساعة من مهاجمة المنشآت النووية الايرانية لم تكن الضربة ما حددته اميركا. فالهجوم الصاروخي الايراني اصاب اهم قاعدة جوية اميركية اي "العديد" اثناء القتال مع "اسرائيل" فقلبت الطاولة على اميركا، ففي الضربة عدة رسائل: فايران وبالرغم من الاضرار فهي في قمة الاستعداد هذا في الوقت الذي تتزامن هجمات ايران مناطق واسعة من الاراضي المحتلة مع هجوم دقيق بقمة القدرة العسكرية الاميركية اي قاعدة العديد في قطر. ولذا فان ادعاءات "اسرائيل" في اليوم الاول قد تبخرت منذ اليوم الرابع وفقدت بريقها حتى بالنسبة لترامب، اذ ان ما توصل اليه ترانب هو خطورة استمرار الحرب وان اميركا ستكون في خطر. وبعد مهاجمة المنشآت الايرانية والرد الايراني فما كان على ترامب فعله؟ فلم يكن امامه اكثر من حلين: اما ان يقوم بعمل ضد ايران وفي هذه الحالة ستكون "اسرائيل" معرضة لهجوم حاد. فلم يكن ترامب يتوقع ان ايران وخلال مقاتلتها لـ"اسرائيل" ان توجه ضربة محددة لاميركا. من جهة ثانية لم تكن اميركا تظن ان ايران وبعد اعلان ترامب وقف اطلاق النار ان تستمر في توجيه ضربا "اسرائيل".وفي الحقيقة ان توجيه ضربات شديدة بعد ساعتين من قرار وقف اطلاق النار كأن ما لم يتوقعه ترامب. ان ترامب ونتنياهو في ظل هكذا اجواء رضخاً لايقاف الحرب مع ايران. فما هو الرد على هذا التساؤل؟ هل ان الحرب على ايران ستتكرر؟ والاجابة هي ان ايران في البعدين السياسي والعسكري اذا حافظت على الاقتدار الذي كسبته، وعملياً تطرح خيارات في ساحة الصراع – وهذا حقاً ان تمتلك ايران قدرات في الداخل والخارج نرجئ ذكرها لمجال آخر – فلا تفرض حرب جديدة على ايران. ولكن اذا اظهرت ضعف قدرتها بعكس ما هو على الارض وتتصرف بشكل انها تحتاج عطف الخصم وهي مستعدة لتقديم شيء كي لا تتعرض لاي هجوم، فان حرباً اخرى ستحصل قريباً أم بعد أمد.
ان ايران خلال اجواء الحرب وبعد الحرب تحتاج الى عمل دبلوماسي وسياسي، ومن هنا فان جهود وزارة الخارجية لاسيما مساعي الدكتور عباس عراقجي خلال الحرب تستحق كل التقدير والثناء، فقد دخل الوزير في هذا المعترك بشكل جهادي، الا ان نشاطنا الدبلوماسي ينبغي ان يحتذى به من دروس الحرب الحرب الـ12 المقاومة والمصابرة. كما ان تجربة شهرين من التفاوض مؤخراً قد افادت ايران ان الحوار له طرفان، وحين يدعو طرف له بالرغم من انه يسعى لافشاله فهكذا حوار لا يصل الى نتيجة.
سعد الله زارعي