kayhan.ir

رمز الخبر: 209572
تأريخ النشر : 2025July15 - 20:54

مفاوضات الدوحة والمطلوب فلسطينياً

 

سعادة مصطفى ارشيد

 لا زالت المفاوضات تدور في الدوحة بين المقاومة والاحتلال التي تجري برعاية قطريّة أميركيّة وسط توقعات تميل إلى ترشيح الوصول إلى نهاية حميدة تؤدي إلى توقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً تجري أثناءها مفاوضات حول ما يطلق عليه الإعلام اليوم الثاني لما بعد الحرب، وإذا كانت عقدة المفاوضات الدائرة اليوم تتعلّق بحجم الانسحاب من غزة ومساحة المناطق العازلة التي تريدها دولة الاحتلال ويقابلها رفض المقاومة بقاء الاحتلال في أيّ جزء من غزة أو إقامة مناطق عازلة فإن مفاوضات 60 يوماً المقبلة سوف تدور حول مَن سيحكم غزة وكيف وهل ستتولى مهام الأمن هناك قوات عربيّة أو أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في رام الله أو غيرها؟ بخاصة أن القوة الوحيدة المؤهلة والموجودة حالياً في غزة هي المقاومة فقط لا عصابات الزعران والمهرّبين الذين حاولت (إسرائيل) تسويقهم. وأي فراغ سينشأ في غزة لن تملأه إلا جهات متطرّفة أو الفوضى العارمة وكلا الأمرين لا يفضّلهما طرفا التفاوض.

في زيارة بنيامين نتنياهو إلى واشنطن والتي زارها أكثر من مرة بدا واضحاً أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يدعم التوصل إلى وقف إطلاق النار. هذا وقد أبلغ ضيفه بذلك بصيغة لا تقبل التأويل، فالرئيس الأميركي يرى الإقليم في حالة غليان وكأنه قطة على سطح من صفيح ساخن، ومرشّح لإعادة التشكيل من جديد بعد 100 عام من اتفاق سايكس بيكو، وهو يريد أن يتفرّغ لهذه الملفات التي يراها أكثر إلحاحاً ويريد إتمام السلام الإبراهيميّ والتطبيع مع دولة الاحتلال بإنجاز أهم مراحل التطبيع بين دولة الاحتلال وشام أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع لاحقاً) والمملكة العربية السعودية. وكل هذا يتطلب وقف الحرب في غزة والعودة للحديث عن حلّ الدولتين، كما ورد في مبادرة السلام العربيّة (السعوديّة) عام 2002 والتي طرحت التطبيع الكامل مع دولة الاحتلال مقابل السلام الشامل ودولة فلسطينيّة. وقصة الدولة الفلسطينيّة مشكلة بحد ذاتها فلم يُبقِ الاستيطان ومشاريع التوسّع (الإسرائيلي) مكاناً تقوم قيه هذه الدولة التي يتحدثون عنها، ولكن الحديث عنها قد يكون كافياً لدى أطراف عديدة تبحث عن ذرائع لتطبيعها مع دولة الاحتلال.

قد تستمرّ مفاوضات الدوحة لفترة من الزمن، وهذا ما يمثل مصلحة لرئيس حكومة الاحتلال الذي يخشى أن تؤدي هذه الصفقة لانهيار الائتلاف الحاكم وخروجه من موقعه، الأمر الذي قد يعرّضه لمخاطر الدخول للسجن بتهم الفساد المنظورة في المحاكم (الإسرائيلية). يخشى نتنياهو من ركني حكومته المتطرفين بن غفير وبتسلائيل سموترتش أن ينفذا تهديداتهما بترك الحكومة وسحب الثقة منها في حال الموافقة على هذه الصفقة ما يعني انهيار الحكومة والدعوة إلى انتخابات المبكرة، لذلك فإن نتنياهو يريد أن يصل إلى الوقت الضائع ليعقد هذه الصفقة وذلك مع اقتراب إجازة البرلمان (الكنيست) والتي ستستمرّ حتى تشرين الأول المقبل.

ولما كان الحديث والتخطيط يجري دولياً وإسرائيلياً حول اليوم الثاني لما بعد الحرب وكيف يمكن الخلاص من المقاومة بشكل نهائيّ وتحويل غزة إلى مكان مسالم يعيش فيه عدد قليل من الفلسطينيين فيما يتمّ تهجير معظم الغزيين إلى الخارج، فإن على الفلسطيني بدوره أن يُجري نقاشاً داخلياً حول ذلك اليوم الثاني انطلاقاً من أن ما قامت بالمقاومة صبيحة السابعة من تشرين الأول 2023 كان عملاً بطولياً بامتياز بمقياس التخطيط والتنفيذ والجرأة والشجاعة وما تبعه من قتال، وكذلك بالسياسة حيث كانت مكانة المسألة الفلسطينية تتآكل فيما تتفسّخ الحركة الوطنية الفلسطينية وتتحوّل إلى مكاتب ووظائف لا عمل لها إلا الإدانة والتنديد غير المفيدين، فجاءت هذه الحركة لتكشف هؤلاء الذين اعتبروها مغامرة غير مدروسة كما تريد المدرسة التي تؤمن بالعجز والجبن باعتبارهما حصافة وحكمة واستراتيجية ترشح بالنضج.

إلا أن للحقيقة وجهاً آخر، ففي أثناء هذه الحرب الطويلة دفعت غزة وأهلها ثمناً غالياً بالدم والروح واللحم الحي… وبقيت تقاوم ومشكلتها ليست في إرادة الصمود والقتال وإنّما بما أصاب ويصيب شعبها الأعزل.

من هنا يحتاج الفلسطيني إلى إعادة قراءة المشهد، فالمرحلة المقبلة تتطلّب بإلحاح الاتفاق على برنامج حدّ أدنى وبما يكفل المحافظة على الإنجازات والمتراكمة عليها.