اتفاق باكو
ناصر قنديل
– تظهر كميّة الرعاية الدولية والإقليميّة التي يحظى بها نظام جبهة النصرة في سورية، حجم الدور الإقليمي المنوط بها في ضوء التعثر الذي أصاب المشروع الأميركي الإسرائيلي في كل محاور الصدام في المنطقة، حيث يمثل العجز عن بذل الدماء الرادع الأهم للتورّط في حرب استنزاف مفتوحة لكل من أميركا وكيان الاحتلال، ويمكن لتنظيم مثل جبهة النصرة وحلفائه الأجانب الذي لم توافق واشنطن على بقائهم وتجنيسهم وضمهم الى القوات المسلحة لدولة يفترض أنها دولة السوريين عبثاً، وليست مجاملة ولا لتسهيل مهام الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، بل لأن المرحلة القادمة في المنطقة تتطلّب إسناد مهمة عسكرية وأمنية لنظام جبهة النصرة وما في ذلك من حاجة لبذل الدماء حيث تعجز أميركا و”إسرائيل” عن ذلك تحت شعار جرى التمهيد له من الأطراف المعنية هو أن هناك عدواً مشتركاً يمثله كل من حزب الله وإيران والحشد الشعبي في العراق.
– حديث توماس باراك عن احتمال تلزيم إدارة الملف اللبناني لسورية والإشارة إلى سقوط سايكس بيكو وضم لبنان إلى سورية وإنهاء وجوده ككيان مستقل باعتباره من مخلفات سايكس بيكو، لم يكن دعوة وحدوية لمكوّنات قسّمها المستعمر، بل تهديد وجودي لكيان وطني لإيجاد تبرير سياسي لحملة تدمير عسكرية أهلية تستهدف النسيج الاجتماعي الوطني في لبنان، لكن هذا المشروع لا يمتلك مقوّمات النجاح إذا جاء منفرداً كما يبدو، أو على الأقل يحتاج كي ينجح للجمع بين التفكير بفتح جبهة الحدود اللبنانيّة السورية من جهة وجبهة العدوان الجوي الإسرائيلي، لأن جيش الاحتلال لا يجرؤ على خوض منازلة برية، لكنه قادر على تقديم غطاء ناريّ تدميريّ يرافق الصدامات التي يمهد الأميركيّ والإسرائيليّ لتوريط سورية ونظامها الجديد بتحمّل تبعاتها وارتكاب جريمة دق إسفين عميق في العلاقات بين بلدين شقيقين تجمعهما عبر التاريخ عناصر القربى والمصير المشترك.
– خلال أسبوعين شهدنا عقد اجتماعات مكثفة أميركية سورية وإسرائيلية سورية علنية، حيث تولى الأميركي تسديد فواتير مستحقة عليه لقاء قبول نظام جبهة النصرة بالمهمة، كان أبرزها الانقلاب الأميركي على قوات سورية الديمقراطية كحليف جرى إغضاب تركيا مراراً كثمن مقبول للحفاظ عليه، لكن التضحية بهذا الحليف بدت ثمناً مقبولاً لقاء تولّي نظام النصرة لمهمة لبنان، وجاءت تصريحات توماس باراك الصادمة بتحميل الجماعة الكردية المسلحة مسؤولية عدم إحراز تقدم في العلاقات مع حكومة الشام، بخلاف ما يفترض قراءته من معانٍ يحملها تخصيص ميزانيّة سنوية للعام 2026 لصالح هذه الجماعة، ثم جاءت الاجتماعات الإسرائيلية السورية وآخرها اجتماع باكو عاصمة اذربيجان، لتشهد التضحية بحليف آخر هو الجامعات الدرزيّة المسلحة جنوب سورية، حيث عبرت التصريحات الإسرائيلية عن دعم حكومة الشام بصورة مختلفة عن كل ما كان يُقال سابقاً بلغة التهديد لحكومة الشام، وجاءت أحداث السويداء ترجمة لهذه التضحية بهذا الحليف.
– مثلث شرق سورية وجنوبها وحدودها مع لبنان رسمت له خريطة، تتسلّم حكومة النصرة الجنوب والشرق فتبدأ معركة الحدود مع لبنان، وربما تبدأ معركتها مع العراق عندما تتسلّم الشرق أيضاً، وهذه حروب يعرف من يبدأ بها كيف يبدأ، لكنه واهم إذا كان واثقاً بالقدرة على إنهائها، فجرح السويداء والجنوب ومثله قبله جرح الساحل والجرح اللاحق في الشرق جروح لا تندمل، وسوف تبقى تنزف، وتعني حرباً أهليّة مفتوحة في سورية وتمثل تهديداً لا قعر له يُصيب وحدة نسيجها الاجتماعي، أما حروب الحدود مع لبنان والعراق فهي مغامرات انتحاريّة يُزجّ بالنظام الجديد في دمشق في أتونها، لإنهاك متبادل للجميع يتيح إملاء الشروط عليهم جميعاً، في الشام وبيروت وبغداد، وكما يستدعي العقل وتقول الحكمة إن يجلس السوريون إلى موائد حوار بين مكوّناتهم وقياداتهم لصياغة عقدهم الاجتماعي الجديد لنظام يتّسع للجميع ويقطع الطريق على الاستخدام والتوظيف للصراعات في أرصدة الأجنبيّ، كذلك في العلاقات بين سورية ولبنان والعراق، ثمّة مشكلات يمكن حلها بالحوار بدلاً من اتخاذها ذريعة لتصعيد لا رابح فيه، ولو بدا في نهاية الاقتتال أن هناك رابحاً، لأن الجميع سوف يخرج من هذه المقتلة منهكاً مثخن الجراح بما يجعله سهل المنال أمام الإملاءات.