kayhan.ir

رمز الخبر: 209192
تأريخ النشر : 2025July08 - 21:35

هل تنجو المنطقة من حرب نتنياهو القادمة؟

 

ناصر قنديل

حتى الآن تورّطت أميركا أربع مرات في حروب صاغها بنيامين نتنياهو، وأولها كانت حرب الإبادة في غزة التي ساندها الغرب مجتمعاً وفي طليعته أميركا تحت شعار إنقاذ “إسرائيل” من خطر انهيار وشيك تسبّب به طوفان الأقصى، حتى بدا أن لا استعادة لصورة القوة الإسرائيلية دون إسالة بحر من دماء الفلسطينيين انتقاماً وإثباتاً لليد الطليقة في القتل والتدمير بوجه كل مَن يتحدّى أمن كيان الاحتلال، وهذه الحرب ما زالت مستمرة، وما كانت تستمرّ لولا الدعم الأميركي والتغطية الأميركية، من دون أن تنجح الحرب في تحقيق أهدافها، سواء بإعادة الأسرى من قطاع غزة، أو في القضاء على المقاومة أو فرض الاستسلام عليها، بل إن العكس حصل، رغم أهوال المجازر والدمار، حيث لا عودة للأسرى دون تفاوض، كما كان الحال من اليوم الأول، والاستنزاف العسكريّ يقع على طرف الاحتلال لا طرف المقاومة. وهذا ما يرفع الآمال بأن تكون واشنطن بدأت تنتبه إلى الخسائر التي تسببت بها حروب نتنياهو، حيث سمعة الغرب في أدنى مستوياتها، وشوارعه في أعلى درجات الغضب، وحلفاء الغرب من العرب والمسلمين يفقدون ماء وجوههم أمام شعوبهم.

في تموز 2024 وفي ظل جبهة إسناد لبنان لغزة، كانت أول زيارة لبنيامين نتنياهو إلى واشنطن بعد طوفان الأقصى، وبعد ورقة قدّمها الرئيس الأميركي جو بايدن لإنهاء حرب غزة وقبلتها حركة حماس، وكانت يد نتنياهو قد فرغت من أوراق المناورة للتملّص من قبول الحل، فقد فشل فشلاً ذريعاً في غزة، وحصل على المهلة تلو الأخرى من واشنطن ومن الرأي العام داخل الكيان، من كذبة غرف العمليّات والأسرى في مجمع الشفاء الطبي وبعد دخوله تنتهي الحرب، إلى كذبة في دير البلح تحسم، ثم في خان يونس وصولاً إلى ربط النصر برفح، وبالتوازي فشل في إسكات جبهة الإسناد اللبنانيّة ووصلت أعداد النازحين إلى مئة ألف وعمق التهجير إلى حيفا، ولما انتهت كل الألاعيب انفجر الشارع ووصلت التظاهرات إلى حشد نصف مليون في شوارع تل أبيب، وبدأت نداءات الإضراب العام والعصيان المدني تتسع وتشمل المزيد من النقابات والبلديات، فحطّ نتنياهو في واشنطن، حاملاً معادلته الشهيرة، إن هزمنا هزمتم، وكانت النتيجة تفعيل الحزمة الأميركية القاتلة المعدّة للعمليات الخاصة ضد حركة حماس وحزب الله، فاغتيل إسماعيل هنية في طهران وتم استهداف قادة المقاومة في لبنان وصولاً إلى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وتفجير البيجر واللاسلكي، وكلها مساهمات أميركية تمّ تفعيلها لاستعادة زمام المبادرة لصالح كيان الاحتلال.

أتاحت الحزمة الأميركية القاتلة ضد حزب الله المجال أمام جيش الاحتلال لاجتياح جنوب الليطاني وفرض شروط الاستسلام على لبنان، لكنها انتهت إلى مواجهة برية ضارية على الحدود اللبنانية، فشل خلالها جيش الاحتلال في تحقيق أيّ إنجاز، وانتهى الأمر بوقف إطلاق النار على جبهة لبنان تحت سقف القرار 1701، لكن ذلك تضمّن تحقيق إنجاز إخراج لبنان من جبهة إسناد غزة، ولم يلبث اليمن أن قام بتعويض هذا النقص بالدخول بقوة أكبر في استهداف السفن المتجهة الى كيان الاحتلال واستهداف عمق الكيان، ومرة ثالثة نجح نتنياهو في زيارته الثانية إلى واشنطن في 3 شباط 2025 بجعل أميركا تخوض بالنيابة عنه حرب إخضاع اليمن، وبالرغم من أن أميركا تولّت هذه الحرب منذ ما بعد طوفان الأقصى، إلا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حوّلها هذه المرة بالتنسيق مع نتنياهو الى معادلة مواجهة تكسير العظام وفتح أبواب الجحيم كما قال، خلال شهر ونصف، كادت تتحوّل إلى كارثة أميركية تغرق فيها إحدى حاملات الطائرات أو تحترق إحدى السفن الحربية، حتى قررت واشنطن الخروج من الحرب مع اليمن بوقف إطلاق النار متنازلة عن المنافسة على السيادة في البحر الأحمر وعن إسناد “إسرائيل” رغم مواصلة اليمن إسناد غزة.

مع تبلور مشهد المأزق في الحرب مع اليمن عاد نتنياهو إلى واشنطن، وفي مناخ التحضير للتفاوض الأميركي الإيراني حول الملف النووي لإيران، نجح نتنياهو خلال زيارته الثالثة في 7 نيسان 2024 بوضع ضوابط للتفاوض تكفلت بتفخيخ مساره وصولاً إلى الحرب، التي لم تنجح لا في فتح مسار لإسقاط النظام ولا في انتزاع صك الاستسلام، وتعرّض خلالها الكيان لمخاطر كبرى، ما كان لينجو منها لولا الانخراط الأميركيّ الكليّ في حمايته والدفاع عنه، وبعد نهاية الحرب صار الملف النوويّ الإيرانيّ خارج السيطرة وصارت عودة إيران للتفاوض والتعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أهدافاً، بعدما كانت في اليد، وها هو نتنياهو في واشنطن، طلباً لحرب، تحت شعار منع إيران من إعادة بناء أي فقرة من فقرات برنامجها النووي، أو إجبار لبنان على التحول الى ساحة مستباحة كما هو حال سورية بعد سقوط النظام، حيث الأرض المحتلة ليست للتفاوض والجنوب منطقة أمنية والأجواء إسرائيلية والجيش ممنوع من امتلاك الأسلحة، وتعالوا إلى تطبيع الأذلاء، وإلا فجولة حرب جديدة على اليمن أو في غزة أو في أي مكان حتى لو في المريخ، والسؤال هل هناك من ينتبه في واشنطن إلى أن أميركا غير مضطرة للانتحار مع نتنياهو، وأن أحداً يجب أن يمسك هذا الثور الهائج من قرنيه ويربطه في الزريبة ويقول له كفى، من فشل إلى فشل لا أمل يرتجى من حروبك، دعنا نُدِر اللعبة عنك، ولا أحد غير الرئيس الأميركي يملك قدرة قول ذلك وفعله.