kayhan.ir

رمز الخبر: 209025
تأريخ النشر : 2025July02 - 19:22

في البدء كانت القضية

 

 لا يمكن تحديد مرحلة تختص بتحمل مسؤولية قضية، وليست محلاً للجدل الفكري اذ يصعب الاحاطة بكل جوانبها والتمييز بين عدة مستويات تحليلية لفهمها. ولا تفتقر الى التركيزعلى النصوص بقدر ما يتم التركيز على الممارسة، فالفجوة لا تردم بين النصوص والواقع.

ومن المناسب في هذه المقدمة تسليط الضوء على دينامية العلاقة بين وجود الانسان وتحمله للمسؤولية. فالقرآن الكريم يشير تلميحاً في الآية 213 من سورة البقرة الى كلية قضية البعثة: "كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين ... وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه...".

هنا القضية في الايصال الى المقصود أي ان الناس أول ما تشكلوا احتاجوا لمن يوجههم لمسؤوليتهم حتى اذا تمردوا كان مفهوم التوبة كآلية للعودة باستشعار الامانة "وحملها الانسان" الاحزاب / 72 . " ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفوراً رحيماً" الاحزاب / 73.

ونعود لنقول ان ما ينعقد بين الناس والقائد في وجود قضية يشعر بها القائد فيعرضها على الناس. ومن يجرفه خرق فان مآله نسيان النفس "فأنساهم انفسهم".

فالثورة الاسلامية الايرانية كانت كقضية منعطفاً في مسار التحولات فتحت من خلال إقامة النظام الديمقراطي القائم على الدين المسمى بنظام السيادة الدينية الشعبية في إيران طريقاً جديداً اذ الاسلام يخاطب كل المجموعات والطبقات الاجتماعية سواء المحرومين أو غيرهم. فليس الاسلام روحانية محضة، فالثورة في صدر الاسلام كما كانت دينية كانت سياسية ايضاً، وكذلك اقتصادية اي ان العدالة وعدم التمييز الاجتماعي كانت في قلب التعاليم الاسلامية، وهكذا التجربة الاسلامية المعاصرة في ايران وصلت الى نقطة الانتصار والساحة العربية تعيش حالة التراجع، وتتخبط بالوان مريبة من اليأس والخيبة لاسيما فيما يخص القضية الفلسطينية. جاءت الثورة بطاقة استعدادية هائلة لمقاومة المشاريع الامبريالية. انها كمشروع تختزن مفردات مفاهيمية كثيرة طرحت تنظيراً متكاملاً لهيكل الصراع، بينما افرزت ظاهرة العولمة نظاماً عالمياً جديداً يقوم على اقتصاد السوق ودعم المبادلات التجارية وتنمية الثروة. ولكن بالرغم من تزايد الثروة وتنامي المبادلات التجارية وتعدد الاكتشافات التكنولوجية وظهور الثورة الاتصالية والمعلوماتية لوحظ اتساع الهوة بين البلدان الغنية والبلدان الاقل حظاً وتنامى الفقر والبطالة. كما ان التطور التقني دفع بجزء كبير من الشعوب المحلية نحو اسلوب الحياة والتفكير الاوروبي الاميركي فسيطرت المنتجات الثقافية للغرب على اسواق العالم الثالث، وبذريعة انشاء انظمة ديمقراطية شكلياً يجرى بالسر العمل على الاطاحة بالانظمة السياسية تنفذها المخابرات الاميركية والبريطانية، فصناعة الديمقراطية هي غطاء مناسب لسياسات الخدع والكذب في اطار فرض الامبريالية تحت مسمى الديمقراطية. على سبيل المثال تعتبر "المؤسسة الوطنية للديمقراطية" وتحت شعار "ما هو جيد لاميركا فهوجيد للعالم" اكبر الممولين لنشاطات المعارضين في مختلف الدول تحت يافطة الديمقراطية. وبذلك اصبح توسيع نطاق الديمقراطية حسب القراءة الاميركية اقوى اداة لاميركا في الحرب الناعمة ضد باقي الدول وتولت قيادة الاجراءات الفعلية كالانقلابات في دول اميركا اللاتينية.

وبدأ المخطط الاميركي منذ عام 1974 لاحتلال حقول النفط العربية بحجة التخوف من تدخل سوفياتي، وظهر بجد بعد سقوط النظام الشاهنشاهي في ايران الذي كان يلعب دور الشرطي للمصالح الاميركية في المنطقة. واحيت ادارة كارتر فكرة انشاء قوات تدخل سريع لمواجهة الثورات عبر العالم وللدفاع عن المصالح الحيوية الاميركية، فجعلت منطقة الخليج الفارسي المرشح الاول لتجارب قوات التدخل السريع وبدأت عملية البحث عن القواعد والتسهيلات، فصار هذا النهج العسكري يتخذ طابعاً لا عقلائياً ويدفع اميركا الى مزيد من التورط في منطقة الشرق الاوسط. ومن اجل التوصل الى تحقيق اهدافها رأت في المشروع الصهيوني اداة مناسبة وفي الكيان الصهيوني عميلاً قوياً لخدمة مصالحها وفي حين اعتبرت الحركة الصهيونية والكيان الاسرائيلي ان الارتباط بحلف غير معلن بالقوى الامبريالية العالمية هو الضمانة الاكيدة لوجودها المصطنع ولاستمرار تزويدها بمقومات وجودها: السلاح والمال. ومن هنا يبرز الدور العسكري الذي ينفذه الكيان الصهيوني، حتى بلغت الخسائر يومياً في حرب الـ12 يوماً على ايران مليار دولار، في سابقة بتاريخ الحروب، ويعكس مشروع الاستعداد له، اذ ما كان قرار الحرب وليد اللحظة بل كان نتيجة عمل امني واستخباري صهيوني اميركي مشترك استغرق عقوداً من الزمن.

في ظل شريعة الغاب التي نصّبت الكيان الصهيوني شرطياً لابد ان نعي جميعاً المسؤولية الملقاة على رقابنا، والامانة الالهية التي لابد ان نتحملها فهي اليوم القضية الاساس. فقيادة الامة الاسلامية اليوم مسؤولية سماحة قائد الثورة الامام الخامنئي وبرهن قدرته على تحملها بكل قوة وشجاعة. أما دور الامة فهو ان لا تسمح بتاتاً بالاعتداء على مرجعبتها الدينية والساسية، وان من يريد المساس بقائد الامة مهما كان موقعه فسيكون رد الامة ساحقاً يبعث على الندم. فسماحته اعطى لتأويل الآية المصداق المعاصر حين نقرأ في سورة الرعد / الآية 7 "ولكل قوم هاد".