إعلام يروّج للعدو: سردية «إسرائيلية» بأقلام لبنانية
خضر رسلان
من يراقب بعض وسائل الإعلام في لبنان اليوم، يلاحظ بسهولة كيف تتسرّب سرديات الاحتلال “الإسرائيلي” إلى مقالات وتحليلات وتقارير تُكتب بأقلام لبنانية. سردية تبدأ غالباً بتحميل سلاح المقاومة مسؤولية أزمات البلاد، متجاهلةً سبعين عاماً من اعتداءات لم تتوقف، منذ ما قبل نشوء أيّ تنظيم مقاوم أو رفع أيّ سلاح بوجه العدو.
فالجنوب اللبناني كان عرضة للعدوان منذ عام 1948، حين ارتكبت العصابات الإسرائيلية مجزرة حولا وغيرها من القرى الحدودية، في وقت لم يكن فيه لا مقاومة منظمة ولا سلاح خارج الدولة. بل إنّ العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين، أحد كبار علماء جبل عامل، وجّه يومها رسالة واضحة إلى الرئيس بشارة الخوري يطالبه فيها بأن تتحمّل الدولة مسؤولياتها في حماية المواطنين من الاعتداءات “الإسرائيلية”. وحين قصّرت الدولة أو عجزت، وجد الناس أنفسهم مضطرين للدفاع عن أرضهم وكرامتهم بأنفسهم.
هذه حقيقة تاريخية قلّما تجد لها مكاناً في بعض المنابر الإعلامية التي باتت تركّز على نتائج الصراع (أيّ وجود السلاح) متناسيةً أسبابه (أيّ الاحتلال والتهديد). والحقيقة أنّ أيّ نقاش مسؤول حول مستقبل السلاح ودور الدولة يجب أن يبدأ أولًا من معالجة جذور المشكلة، أيّ إنهاء الاعتداءات ووقف الانتهاكات الإسرائيلية وتمكين الدولة فعلياً من حماية أبنائها وحدودها.
وفوق ذلك، فإنّ هذا الشعب الذي اضطر لحمل السلاح ليصون بيته وأرضه بعدما قدّم الغالي والنفيس دفاعاً عن كرامته، لم يعُد يجد آذاناً صاغية لترّهات تدعوه إلى نزع مكامن قوّته قبل أن تزول أسباب الخطر. لسان حاله يقول بوضوح: قدّمنا دماءنا وصبرنا كي لا نعيش مذلولين، ولن نسمح لأيّ قوة في العالم أن تستدرجنا إلى طروحات نعرف جيدًا أنها «لا تسمن ولا تغني» في واقع إقليمي لا يقدّم أيّ ضمانات حقيقية. فالعالم لم يتغيّر؛ لا يزال لا يحترم إلا الأقوياء، ولا يعترف إلا بمن يفرض حقه بعرقه وسواعده، لا بشعارات واهية وعابرة…