kayhan.ir

رمز الخبر: 208999
تأريخ النشر : 2025July02 - 19:19

منسوب الثقة المنخفض ... كيف قوضت واشنطن فرص التفاوض مع إيران؟

 

محمد جواد أرويلي

في عالم السياسة، لا تُبنى المفاوضات على النوايا المعلنة فحسب، بل على الثقة المتراكمة والالتزام بالعهود. وفي الحالة الإيرانية، لم يعد الحديث عن مجرد تفاوض، بل عن الحاجة إلى ضمانات أمنية وسياسية وعسكرية مسبقة، بعد أن أهدرت واشنطن ما تبقى من منسوب الثقة.

عبّر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بوضوح عن هذا الانعدام في الثقة، حين صرّح لقناة "سي بي إس" الأمريكية قائلاً: "كي تقرر طهران إعادة التفاوض، يجب أولاً ضمان عدم عودة واشنطن لاستهدافنا بهجوم عسكري خلال المفاوضات". تصريح لا يعبّر فقط عن موقف دبلوماسي، بل عن قراءة عميقة لتجربة مريرة خاضتها طهران مع واشنطن، بدأت بانسحاب أحادي الجانب من الاتفاق النووي، وتوالت عبر عقوبات خانقة، وتحريض دولي وداخلي، وانتهت بعدوان مباشر على منشآت إيران النووية، في وقت كانت فيه طهران تستعد لجولة تفاوض جديدة.

فكيف يمكن بناء عملية تفاوضية جادة بين طرفين أحدهما يُشهر السلاح بينما يدعو الآخر إلى الطاولة؟ وهل ما زالت واشنطن تملك الأهلية الأخلاقية والسياسية لادّعاء أنها تسعى للحلول الدبلوماسية؟

منذ اليوم الأول، اختارت الجمهورية الإسلامية الإيرانية الطريق الدبلوماسي كمسار لحل الخلافات بشأن برنامجها النووي السلمي. وقد تُوّجت هذه الجهود بتوقيع الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة) عام 2015 بعد سنوات من المفاوضات المعقدة، بإشراف مباشر من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبموافقة مجلس الأمن الدولي. غير أن من قاد هذا الاتفاق إلى الانهيار لم تكن إيران، بل الولايات المتحدة الأميركية، التي انسحبت منه بشكل أحادي عام 2018 بقرار من الرئيس دونالد ترامب، في خطوة وصفت عالميًا بأنها خرق فاضح للقانون الدولي.

لكن خيبة الأمل لم تتوقف عند واشنطن، فـالترويكا الأوروبية (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا)، رغم بقائها رسميًا في الاتفاق، لم تفِ بتعهداتها الاقتصادية والسياسية تجاه إيران، ولم تُوفّر أي حماية حقيقية أمام العقوبات الأميركية الجائرة، ما أدى إلى فقدان الثقة بشركاء الاتفاق.

ورغم ذلك، لم تغلق إيران باب الحوار، وظلت تكرر استعدادها للعودة إلى المفاوضات، وهو ما كانت ملتزمة  به حتى النهاية بالفعل قبيل تعرضها لهجوم عسكري مباشر استهدف منشآتها النووية السلمية، في وقتٍ كان يُفترض أن تُستأنف فيه جولة جديدة من المحادثات مع واشنطن.

هذا العدوان جاء كجزء من سلسلة سياسات عدائية مارستها الولايات المتحدة، بدءًا من الانسحاب من الاتفاق، ومرورًا بفرض عقوبات اقتصادية خانقة طالت الشعب الإيراني في دوائه وغذائه، وصولًا إلى دعم أعمال الشغب والتخريب في الداخل الإيراني بهدف زعزعة الاستقرار.

الهجوم على المنشآت النووية، الذي تم بعلم أو تواطؤ من بعض الأطراف الغربية، شكّل انتهاكًا واضحًا للقوانين الدولية، وجاء ليفضح الوجه الحقيقي لأولئك الذين يدّعون الدفاع عن الدبلوماسية.

في هذا السياق، يُطرح سؤال محوري، هل يمكن مطالبة إيران بالعودة إلى طاولة المفاوضات، بينما يُسمح بمهاجمتها واستهداف شعبها؟. من يريد حوارًا جادًا يجب أن يبدأ بمطالبة أمريكا لوقف سياسة نقض العهود، واحترام التزاماتها الدولية، بدلًا من ممارسة الضغوط وتكرار الاتهامات الجوفاء.

أمام هذا المشهد، تظهر المنظمات الدولية مثل مجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة الذرية عاجزة عن تسمية المعتدي وأداء دورها الحقيقي، حيث لم نرَ أي إدانة جدّية للعدوان، ولم تُحاسب أي جهة على انتهاك الاتفاقيات.

وهذا الواقع يدفع لإعادة التفكير بجدوى هذه المؤسسات، ومدى حيادها، وقدرتها على الدفاع عن حقوق الشعوب بدلًا من التحوّل إلى أدوات ضغط بيد القوى الكبرى.

من أراد إنقاذ المسار الدبلوماسي، فليبدأ بتصحيح المعايير، ومطالبة الطرف المعتدي أولًا بالعودة إلى طاولة التفاهمات، لا بإملاء الشروط على من صمد في وجه العقوبات والعدوان وبقي مؤمنًا بالحوار حتى آخر لحظة.

في النهاية فان الرسالة الإيرانية باتت واضحة، لا تفاوض في ظل التهديد، ولا يمكن لطهران أن تخوض حوارًا يُستغل كغطاء لهجمات عسكرية أو عقوبات جديدة. على الولايات المتحدة أن تختار بين مسار الدبلوماسية الصادقة أو استمرار سياسة التصعيد التي لن تؤدي إلا إلى تعقيد المشهد الإقليمي والدولي.

ارنا