استراتيجية الحرب والسلم
من الصعب تغيير القيم وربما يستحيل ذلك على من يتبنى فكرا توعويا وعقائديا ممنهجا اما السلوكيات فبالامكان تغييرها بشرط ان لا يتم تذويب الهوية . وفي عالمنا المعاصر لابد من الاعتماد المتزايد على المعلوماتية واستثمار التفوق التكنولوجي لتطوير التقنيات الحربية التي لها الدور ليس في ادارة الحروب وحسب بل في حسم المعارك سريعا وهذا ما ركزت عليه القيادات الصهيونية منذ عقود بعد تجارب الحرب مع الدول العربية والتي تسببت ان تخرج منتصرة دائما حتى ظهرت المقاومة الاسلامية .
فرئيس الدويلة الصهيونية حينها حاييم هرتزوغ كان يحذر من الخطر الاسلامي . ففي واحدة من تصريحاته امام الكونغرس الاميركي قال – ان الاصولية الاسلامية هي الخطر الحقيقي في منطقة الشرق الاوسط اليوم وليس الصراع بين العرب واسرائيل وان العالم يقع في خطا عندما يعتبر ان النزاع العربي – الاسرائيلي هو الموضوع الاول في الشرق الاوسط - . واضاف – ان الخيار في الاراضي المحتلة هو بين فرض بيروت جديدة او طهران جديدة - .كما وصرح امام لجنة الخارجية والامن في الكنيست قائلا – اذا كان هنالك عامل اشعر بالقلق منه فانما هو تعاظم الجهات الدينية .. واخشى ان يتحول الصراع الى صراع ديني - .
هذه التصريحات وغيرها لمسؤولين صهاينة عجلت في استدعاء الاساطيل الاوربية الاميركية الى مياه الخليج الفارسي والذي تجاهلته الرسمية العربية منذ عام 1987 . فوزير الطاقة الاميركي – جون هارينغتون – والذي كان يقوم بجولة في عدد من دول المنطقة في تشرين الاول عام 1987 قال – ان بلادي مسرورة جدا للتسهيلات التي وضعتها الدول العربية في الخليج الفارسي تحت تصرف وحدات القوة البرية الاميركية في المنطقة . اننا نحصل على ما نريد من ادوات واجهزة لتصليح السفن والمعدات اللوجستية ونحن راضون لذلك - .
لقد كان مفروضا على العالم العربي ان يصحح حالة الخلل في هوية الصراع الجديدة التي طغت على الاحداث منذ الثورة الاسلامية في ايران الاانه خضع لمنطق السكوت الذي لم ينته الا الى مزيد من التراجع في الموقف السياسي . ففي عام 1982 وعندما اختارت الانظمة العربية عدم مواجهة الاجتياح الصهيوني للبنان والوصول الى العاصمة بيروت تحول الى عجز عربي لمواجهة تطورات اي حرب لاحقة وهذا الواقع ما يدركه الصهاينة جيدا مما شجعهم على ارتكاب المجازر وعمليات ارهابية يومية ومذابح لاطفال فلسطين وبعبارة ادق ان يتكفل الفلسطينيون امرهم لوحدهم واعتبرت الانتفاضة الفلسطينية حسب قاموس الرجعية العربية بانها لون من الوان الارهاب .
في ظل هكذا وضع ماساوي بلغت الثورة الاسلامية الايرانية قمة الوضوح والتفهيم لموقفها من القضية الفلسطينية . بينما الساحة العربية تعيش حالة تراجع وصمت مطبق جاءت الثورة الاسلامية بطاقة استعدادية هائلة لمقاومة المشاريع الامبريالية وعلى راسها الكيان الصهيوني فمنحت العالم العربي فرصة تاريخية للتكفير عن خطاياها ازاء القضية الفلسكينية كان من الممكن استثمارها لايجاد نظام صراعي مع الصهاينة وحلفائهم لما تختزنه الثورة الاسلامية من مفردات تنظيرية جمة لاسيما ما يخص القضية الفلسطينية بان الاسلام الحالة الفكرية الوحيدة القادرة على ادارة الصراع في مقابل التجارب الصراعية الماضية كالمناداة باقليمية الصراع او ممارسته ضمن اطر قومية او وطنية . بينما حددت الثورة الاسلامية اخر جمعة من شهر رمضان المبارك يوما للقدس العالمي لما له من دلالات كزمن له خصوصية عن باقي الازمان في نظر الاسلام اليه . وهو يعكس الوعي المتقدم لدى الامام الخميني – ره – وضرورة الاستفادة من عمق الايديو لوجية الاسلامية ومعطياتها في الدفاع عن حقوق المظلومين الفلسطينيين وتعبئة الشعوب الاسلامية لدعمهم .
ان الحكومات العربية وحتى اللاعبين غير الحكوميين في العالم العربي قد رجحوا – حسب تقارير مركز الدراسات للامن الداخلي الاسراءيلي وكذلك تحليل لجنة العلاقات الخارجية الاميركية – قد رجحوا التبعية الواضحة او المبطنة لسياسات واشنطن . فحكومات الدول العربية المطلة على الخليج الفارسي لاسيما السعودية والامارات ليست قد استضافت القواعد العسكرية الاميركية وحسب بل ساهمت في مشاريع مستقبلية لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني . ولعل اتفاقيات ابراهام والمحادثات غير الرسمية بين الرياض وتل ابيب خير شاهد على ذلك . والدولة العربية المستثناة والتي لها هوية مستقلة وارادة حرة في مواجهة اميركا والكيان الصهيوني هي اليمن .
فقد طالب المتحدث باسم الحكومة اليمنية الدول العربية والاسلامية ان ينهوا من تواجد القواعد الاميركية على اراضيهم . لقد تحول انصار الله في اليمن الى رمز للمقاومة باتخاذ الاسلوب الهجومي ضد مصالح اميركا والكيان الصهيوني وهو بالعكس مما تنتهجه سائر الدول العربية.
ان الجمهورية الاسلامية الايرانية قد برهنت ميدانيا احقية نهجها حين عززت انتصارها على الكيان الصهيوني بان سجلت الضربة الاخيرة برشقة صواريخ على مراكز واوكار الصهاينة في الاراضي المحتلة .
كما اكدت وسائل اعلام اميركية مثل قناة سي ان ان بان القصف الذي ادعت اميركا بانها دمرت من خلاله مفاعل فردو ومفاعل نطنز واصفهان كان طفيفا ولم يؤثر على الاجهزة التي تحتويها للتخصيب ونشاطات نووية اخرى .
.