تحسُّن التنسيق اللبناني الداخلي يُربك تل أبيب…
هادي حسين شكر
لم تكن الغارات «الإسرائيلية» الأخيرة على الضاحية الجنوبية لبيروت مجرّد ردّ أمني ظرفي، بل أتت في توقيت بالغ الحساسية، مرتبط بتبدّل المشهد السياسي اللبناني، وتحديداً عودة قنوات التنسيق بين رئيس الحكومة نواف سلام وحزب الله.
ففي الوقت الذي كانت تل أبيب تراهن على استمرار التباعد بين الطرفين، باغتتها مواقف إيجابية من الجانبين، تشير إلى خفض التوتر وتحقيق نوع من «التعايش السياسي» بين الحكومة والمقاومة، بما يقطع الطريق على أي استثمار خارجي في التناقض الداخلي.
هذا الانفراج النسبي، أعاد ضبط الإيقاع الداخلي على نحوٍ أربك حسابات العدو، الذي كان يُعوّل على انقسامات سياسية لبنانية كمبرر لزعزعة الاستقرار الأمني.
لذا، يُمكن القول إنّ تقارب المواقف بين رئيس الحكومة والحزب شكّل ضربة مضادة لمساعي التحريض والتهويل، وهو ما عجّل في قرار التصعيد العسكري ضد الضاحية.
من جهة أخرى، فإنّ ادّعاء «إسرائيل» بأنّ الغارات استهدفت مواقع لتخزين مُسيّرات الحزب، سقط أمام التحقيقات الميدانية التي أجراها الجيش اللبناني، الذي لم يجد في المباني المستهدفة ما يدعم هذه الرواية. الأهمّ، أن تل أبيب لم تنتظر نتائج أيّ تواصل دبلوماسي، بل ذهبت مباشرة نحو الضربة، في سلوك يكشف نواياها الحقيقية.
وهنا، تبرز جملة من الأسباب التي تُفسّر هذا التصعيد:
1 ـ رسالة سياسية ـ عسكرية موجهة لإيران، في أعقاب زيارة وزير خارجيتها عباس عراقجي إلى بيروت، والتي فسّرتها «إسرائيل» بأنها بداية تثبيت تموضع إيراني جديد في لبنان.
2 ـ إقالة المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، التي كانت تمثل مظلّة دعم دبلوماسي لتل أبيب في الملف اللبناني، ما اعتبرته «إسرائيل» تراجعاً في نفوذها داخل القرار الأميركي ـ اللبناني.
3 ـ أزمة داخلية خانقة في «إسرائيل»، نتيجة تصاعد الصراع بين حزب الليكود والأحزاب الدينية، مع التوجه الى حلّ الكنيست، ما جعل من العدوان على لبنان وسيلة لتحويل الأنظار عن مأزق الداخل.
4 ـ تحسّن صورة لبنان خارجياً، لا سيما بعد إعلان شركات طيران أوروبية، مثل الطيران السويسري، عن استئناف رحلاتها إلى بيروت، فيما لا تزال رحلاتها إلى تل أبيب معلقة، وهو ما أثار امتعاضاً كبيراً لدى الأوساط الإسرائيلية.
5 ـ عودة تدريجية للسياحة إلى لبنان، مع تزايد عدد الرحلات ومظاهر الانتعاش، مقابل وضع سياحي راكد في «إسرائيل»، وسط توترات مستمرة على مختلف الجبهات.
وسط هذا المشهد، اختارت تل أبيب التوقيت الرمزي للعدوان: ليلة عيد الأضحى، بينما كان مطار بيروت الدولي يستقبل أفواج المغتربين والسياح. الهدف؟ ضرب صورة الاستقرار، والردّ على مشهد داخلي لبناني يُظهر بداية التفاهم لا الانقسام.
الخلاصة، أنّ العدوان لم يكن فقط رداً على معادلة أمنية، بل أيضاً على معادلة سياسية جديدة تتشكل بهدوء في بيروت، عنوانها: تقارب مسؤول، يعيد توجيه البوصلة الوطنية نحو الشراكة لا الصدام.