كيان الاحتلال يسقط في فخ الغموض الاستخباري
حسين مرتضى
لم نعد أمام حرب تقليدية بالمعنى العام، بل اليوم نحن أمام حرب استخبارية ذات طابع أمني متقدّم، حيث يتخذ العمل الاستخباري أشكالاً وأساليب متنوعة لجمع المعلومات والوثائق السرية الحساسة. هذه الحرب الجديدة تعتمد بشكل أساسي على تقنيات التجسّس الإلكتروني، العمليات المعقدة للتسلل، والاستحواذ على بيانات وملفات سرية تُعتبر حاسمة في تحديد ميزان القوى بين الأطراف المتنازعة.
منذ فترة زمنية قصيرة، أعلنت الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن نجاحها في تنفيذ عملية استخبارية نوعية ضدّ كيان الاحتلال الصهيوني، تمكّنت خلالها من الاستيلاء على أرشيف ضخم يتضمّن ملفاً نووياً حساساً يخصّ «إسرائيل».
هذا الأرشيف، الذي يحتوي على معلومات تفصيلية عن الترسانة النووية «الإسرائيلية» بما في ذلك المنشآت النووية، خرائطها، ونقاط ضعفها، يُعتبر ضربة نوعية للأمن الإسرائيلي، إذ كشف عن تفاصيل كانت سراً محكماً لسنوات طويلة.
بفضل هذا الكشف، أصبحت إيران تمتلك ورقة قوية يمكنها من خلالها إعادة رسم معادلات الردع في المنطقة. لم يعد بإمكان «إسرائيل» فرض قواعد اشتباك جديدة في ظلّ هذه المتغيّرات التي هزت الإقليم وأسقطت أحد أهمّ أوراقها الأمنية.
مع استحواذ إيران على هذه المعلومات، لم تعد المعادلة الأمنية في الشرق الأوسط على حالها، فقد تحوّلت إلى حالة من التوازن المتغيّر والمتحرك.
وفي هذا السياق، باتت الحكومة الإيرانية في موقع يمكنها من استخدام هذا الأرشيف على المستوى الدولي لكشف حقيقة ما تملكه «إسرائيل» من أسلحة دمار شامل، وبالتحديد السلاح النووي.
هذا الكشف قد يسقط كلّ الذرائع التي لطالما استخدمتها «إسرائيل» للتهرّب من الرقابة الدولية، وينهي الغموض الذي كان يحيط بملفها النووي، مما يضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليات جديدة في التعامل مع هذا الملف.
وعند النظر إلى طبيعة الحرب الجديدة، يتضح أنّ «إسرائيل» بالرغم من تفوّقها التقني والأمني، واستخدامها للجيل الخامس من الحروب والتقنيات المتقدّمة مثل الذكاء الاصطناعي، إلا أنها فشلت في حماية أحد أهمّ ملفاتها السرية. وهذا يشير إلى أنّ التفوق التكنولوجي لم يعد حكراً على جهات معينة، وأنّ ساحة الصراع أصبحت مفتوحة أمام عمليات استخباراتية معقدة ومتطورة.
هذا التطور يطرح سؤالاً جوهرياً: هل سنشهد خروقات أمنية جديدة في هيكل الكيان الغاصب؟ لا يمكن إنكار أن سلسلة من الهجمات والعمليات الاستخبارية قد تضاعفت خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع تصاعد التوترات الإقليمية، ومنها «طوفان الأقصى» الذي شكل نقطة تحوّل مهمة في الصراع، حيث لم يتمكن العدو الصهيوني من فرض مشروعه الكامل رغم نجاحات محدودة في مناطق معينة، وذلك بسبب إرادة المقاومة والدعم الدولي الذي تلقته.
وفي ظل استمرار الحرب سجالاً متواصلاً، يؤكد ما يجري اليوم على الساحة الإقليمية والدولية أنّ الصراع لن ينتهي قريباً، وأنّ بوصلة القضية الفلسطينية ستظلّ ثابتة رغم كلّ المتغيّرات. فالمعارك لم تعد تقليدية، بل أصبحت تتخذ أبعاداً متعدّدة تتجاوز الميدان لتشمل ساحات المعلومات والاستخبارات والدبلوماسية الدولية.
ختاماً، يمكن القول إنّ المرحلة الحالية من الصراع تشكل نقطة تحوّل استراتيجية، حيث تداخلت الحروب التقليدية مع الحروب السيبرانية والاستخبارية، لتفتح آفاقاً جديدة في فهم طبيعة الأمن الإقليمي والدولي. وباتت كلّ جهة تسعى لاستثمار المعلومات المكتسبة لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية، مما يزيد من تعقيد المشهد ويجعل من كشف الحقائق وتبادل المعلومات أحد أبرز أدوات المواجهة في هذه الحرب الحديثة.