مسؤولية المقاومة في زمن القاصرين
ممارسات ممنهجة لانتهاك جميع الاعراف، وتحد للارادة الدولية برمتها، حين ينقل وزير خارجية الكيان الصهيوني "جدعون ساعر" التحذير الرسمي الاسرائيلي لنظرائه في بريطانيا وفرنسا ودول اخرى، من ان الكيان الاسرائيلي سيقدم على فرض ما اسمته السيادة الاسرائيلية على تجمعات سكانية يهودية في يهودا والسامرة "الضفة الغربية"، بالاضافة الى اجزاء من غور الاردن، في حال اعترفوا بدولة فلسطينية في المؤتمر الذي تخطط لعقده فرنسا والسعودية الشهر القادم في مدينة نيويورك الاميركية من 17 – 20 حزيران. واضاف ساعر: اي خطوات احادية ضد اسرائيل سيرد عليها بخطوات احادية من جانب "اسرائيل".
هذه الوقاحة الاسرائيلية لم تأت عن فراغ حين يكون هناك دعم اميركي علني أوقح بكثير، على سبيل المثال ما دعا له عضو الكونغرس الاميركي عن الحزب الجمهوري "راندي فاين" لقصف قطاع غزة بالقنابل النووية، معتبراً ان القضية الفلسطينية شريرة، ومشبهاً الصراع مع المقاومة الفلسطينية بالحرب العالمية الثانية حين أسقطت اميركا القنابل النووية على هيروشيما وناغازاكي. وبنفس اللهجة صرح السيناتور الجمهوري "ليندسي غراهام" الذي طالب بتكرار سيناريو هيروشيما وناكازاغي، قائلاً: ان اميركا فعلت صواباً حينها وعليها ان تفعله مجدداً.
اذن هو دعم مطلق لـ"اسرائيل" في عدوانها المستمر على قطاع غزة منذ السابع من اكتوبر 2023، يأتي من مسؤولين منتخبين يمثلون واحداً من اقوى البرلمانات في العالم ولم تلق اي رفض من الادارة الاميركية او من الكونغرس نفسه ما يشير الى تواطؤ مباشر او صمت متعمد هو جزء من خطاب ايديولوجي يرى في الفلسطينيين اعداء وجوديين يجب التخلص منهم، وتحريضاً على الابادة الجماعية. وقد سبق ان صرح وزير التراث الصهيوني "عميحاي إلياهو" في نوفمبر عام 2023 بان استخدام القنبلة النووية في غزة خيار وارد.
وقد ادانت حركة الجهاد الاسلامي دعوة الكونغرس الامريكي الى قصف غزة بالاسلحة النووية في خطاب يحض على الكراهية والعنصرية. وجاء في البيان: "اننا نعتبر هذه التصريحات دعوة صريحة لارتكاب الجرائم ضد الانسانية وتذكيراً مرعباً بالفاشية ووصمة عار في جبين الكونغرس الاميركي الذي صفق لغطرسة مجرم الحرب نتنياهو. وهي دعوات تتنافى مع مبادئ القانون الدولي الانساني واتفاقيات جنيف والمواثيق التي تحرم استخدام الاسلحة النووية ضد المدنيين. ولن تنال هذه التصريحات من صمود الشعب الفلسطيني ولن تزعزع ايماننا بعدالة قضيتنا التي اسقطت الكثير من الاقنعة عن الوجوه القبيحة".
ولا يفرق كثيراً حين يتم استخدام الفسفور الابيض عندما تقصف منازل المدنيين في غزة في منهجة لقتل الاجنة في بطون الحوامل هذا اضافة الى ان 95% من النساء الحوامل والمرضعات في غزة يواجهن الجوع. وهو ما يحصل في الضفة الغربية كذلك عندما يعدم الاطفال عند نقاط التفتيش الصهيونية ويتم تعذيب آخرين في السجون الاسرائيلية، بعد ان تقوم القوات المحتلة بعمليات تجريف ونهب وسلب للضفة الغربية لانهاء مشروع الدولة الفلسطينية، فلم يتبق للفلسطينيين من مساحة الضفة سوى 23% وهي المناطق التي تصنف "الف وباء" اما المناطق التي تصنف "جيم" فهي تتجاوز 70% واصبحت تحت سيطرة الاحتلال الصهيوني بالكامل. وبعد سنة و8 أشهر من المجازر الدموية التي ارتكبها جيش الاحتلال وسياسة التجويع الاجرامية على مرأى من العالم كله، فمن يصدق بعد ذلك ادعاءات الغرب واميركا بحرصها على السلام وسيادة الدول وحقوق الشعوب وحريتها، والانكى من ذلك ان كل ما يجري والعالم العربي في غيبوبة ولم ترف أجفان قادته ومازالوا يؤثرون الدوران في فلك الغرب.
وقد عبر ترامب عن بعض القادة العرب بالقول: "ليسوا منتخبين وتدور بينهم صراعات لها طابع قبلي ولا يهمهم سوى الحفاظ على مصالحهم الشخصية، فمن الطبيعي ان يتولد لديهم ميل غريزي للاعتماد على الخارج في حماية عروشهم وثرواتهم". فتمكن ترامب خلال زيارته الاولى لمنطقة الخليج الفارسي في مايو 2017 من عقد صفقات تجارية مع السعودية بلغت قيمتها اكثر من 400 مليار دولار، بينما اعترف حينها ترامب بالقدس عاصمة أبدية موحدة لـ"اسرائيل"، ونقل اليها مقر السفارة الاميركية، كما وضغط على كل من: الامارات والبحرين والمغرب والسودان لتطبيع العلاقات مع "اسرائيل" وطرح مبادرة رسمية لتصفية القضية الفلسطينية "صفقة القرن" وقطع المساهمات المالية الاميركية للسلطة الفلسطينية، اما في زيارته الثانية لدول الخليج الفارسي في مايو2025، حصل ترامب في السعودية على عقود للشركات الاميركية بقيمة تريليون دولار، وفي زيارته لقطر بلغت قيمة العقود تريليون و200 مليار دولار. اما خلال زيارته للامارات فتجاوز الرقم تريليون و400 مليار دولار. اضافةً للهدايا الشخصية باهظة التكلفة وفي مقدمتها طائرة رئاسية يبلغ ثمنها نحو نصف مليار دولار.
وفي نفس الوقت واصلت الآلة العسكرية الصهيونية اقتحاماتها اليومية لمعظم مدن ومخيمات اللاجئين في الضفة الغربية. ووحدها المقاومة الغيورة كجماعة "انصار الله" كانت تقوم باطلاق الصواريخ المجنحة لمساندة الشعب الفلسطيني المظلوم. وستبقى غزة شاهداً على زمن يحكم فيه اوطاننا القاصرون الذين لا يقوون على تدبير شؤونهم حتى الشخصية إلا برعاية اميركا.