الجولة الثانية من التطبيع
خطوات الى الوراء اضطر لها ترامب لاعادة التموضع بعد ان اختبر لغة العنجهية والتلويح بالحرب مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، وكذلك في المواجهة التجارية مع الصين ليكتشف عقم هذه اللغة على تغيير المعادلات. كما ولا يعلم مدى جدية ترامب في الضغط على نتنياهو لقبول وقف الحرب والانسحاب من غزة. وليس هذا التموضع ناجماً عن استدارة عقائدية وانما هو نتاج تغيير موازين القوى مع ان الولاية الثانية لترامب بدأت بالتهديد والوعيد، وحروب اقتصادية. من هنا اختارت الادارة الاميركية الغطاء التجاري لتمرير صفقات تحسب تاريخية بالنسبة لترامب بعد ان طلب من زيلينسكي تقديم المعادن النادرة في بلاده قبال ايقاف الحرب مع روسيا. والنسخة نفسها هي التي يطبقها مع دول الخليج الفارسي خلال زيارته التي يرافقه فيها وزير التجارة "هوارد لوتنيك"، اضافة لوزير الخارجية والدفاع ووزير الخزانة. فهناك ثروات معدنية غير مستغلة في السعودية والاجواء مهيئة لصفقات تجارية بلغة الاعمال التي يفهمها ولي العهد محمد بن سلمان الذي هو الحاكم الفعلي الآن، وارث لثمانية عقود من زيارات الرؤساء الاميركيين الى السعودية.
ولكن الذي يجري وراء الكواليس عن طريق مسؤولين اميركيين ينشطون في الظل على رأسهم صهر ترامب "جاريد كوشنر" مستشاره للدورة الاولى في شؤون الشرق الاوسط وهو مهندس اتفاقيات ابراهام خلال الدورة الاولى ليقدم المشورة بشكل غير رسمي للمسؤولين الفعليين، لما يتمتع به من علاقات مع القادة العرب ومشاركته في مناقشات حساسة مع امراء الخليج الفارسي لاسيما السعودية وقطر والامارات حول خطوات جديدة لتوسيع الاتفاقيات الابراهيمية وتطبيع العلاقات مع "اسرائيل". فكوشنر معتقد بامكانية تقديم مقترحات تقنع الرياض بالانضمام الى الاتفاقيات في حال وجد مسار واضح لاقامة دولة فلسطينية وهو الشرط الذي اعلنه صراحة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من قبل. كما ويأمل كوشنر ان تمهد هذه الاتفاقيات الطريق نحو انخراط دول جديدة في التطبيع مثل سوريا ولبنان، وكان مبعوث ترامب "ستيف ويتكوف" قد اعرب عن تفاؤله بجهود اقناع السعودية للانضمام لاتفاقيات التطبيع مع "اسرائيل" مشيراً الى ان سوريا ولبنان يمكن ان يلحقا بقطار التطبيع، وهو ما صرح به خلال فعالية للجالية اليهودية في واشنطن معتقداً ان هناك امكانية لانضمام سوريا ولبنان للتطبيع مع "اسرائيل" بعد الضربات القوية التي تعرضت لها القوى المدعومة من ايران – حسب زعمه – وسقوط نظام بشار الاسد، فهناك تغيرات عميقة ستحدث، فالرئيس السوري احمد الشرع تغير عما كان عليه في السابق والتطبيع صار احتمالاً حقيقياً. وتعليقاً على تصريحات "ويتكوف"، قال "جاك فيريا" ضابط الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية، ان التطبيع مع الجمهورية السورية يعتبر اسهل منه مع لبنان، نظراً للتركيبة المعقدة في لبنان، حيث ان داخل كل طائفة موقف مختلف حيال التطبيع بينما من السهل اقامة التطبيع مع سوريا حيث ان غالبيتها من السنة ويمكن التوصل الى اتفاق مع الشرع بعد فترة قصيرةان بقي في منصبه.
وفي مبادرة دبلوماسية تهدف الى دفع مسار التطبيع في الشرق الاوسط، طرح محمد بن سلمان ولي عهد السعودية فكرة على طاولة النقاش مع ترامب الذي رحب بها ووافق عليها، ما يعكس التنسيق العالي بين الرياض وواشنطن في هذه الجولة من الجهود الاقليمية، والفكرة تنص على لقاء خماسي يضم ترامب ومحمد بن سلمان الى جانب رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس" والرئيس اللبناني "جوزيف عون" والرئيس السوري ابو محمد الجولاني.
ووفق ما نقلته صحيفة "جيروزاليم بوست" عن مصدر خليجي عن احتمال اعلان ترامب عن اعتراف اميركي رسمي بدولة فلسطين. ويمكن اعتبار زيارةترامب للمنطقة والتوجس الاسرائيلي الكبير لنتائجها، والتي تبدو من خلال شدة الهجمات الاجرامية على اهلنا في غزة وبشكل غير مسبوق، انها الرهان الاخير لليمين الصهيوني، لاسيما وان الادارة الاميركية وضعت فرصة التفاوض مع الجمهورية الاسلامية الايرانية بالتزامن مع هذه الزيارة الترامبية. اضافة لرضوخ ترامب وقف اطلاق النار مع حركة انصار الله اليمنية لافراغ بال الادارة الاميركية من كل مواطن القلق حولها كي تستجمع رؤاها في بوصلة واحدة ولتضع قوى المقاومة أمام الامر الواقع، وانها – اي الادارة الاميركية – اختارت السلام لاجل استقرار المنطقة، فلبست فروة الحمل على طبعها المفترس، وقد غاب عنها ان مخالبها وانيابها لا تخفى عن الناظر بحذر، وكل هذه المسرحية جاءت بعد استعراض اميركي لجزء من قطعاتها التسليحية الحديثة، واشعال نار الحرب المؤقتة بين الهند وباكستان ليتم تهدئتها بطلب اميركي. اي تحاول الادارة الاميركية ان تلمح من طرف خفي للحكومات العربية ان مقاليد الامور بيد اميركا ان شاءت تشعلها ناراً وان شاءت تنشر السلام. ولكن متى ما حصلت على مبتغاها قستظهر على حقيقتها وتنزع فرو الحمل لتنهش بما تبقى من قضايا مستعصية لم تقدر على فكها قبل ذلك، وعندها لات مندم فستجر الامة اذيال الخيبة جراء سذاجة حكامها. وقد عودتنا سنن الحياة ان بصيص الامل معتمد في البقية الباقية من ابناء الامة الغيارى رواد المقاومة الذين لا يلدغون من جحر مرتين.