معالم الاختلاف داخل اميركا بخصوص ايران
يبدو ان التفاوض مع ايران قد تحول الى سبب اختلاف في الهيئة الحاكمة باميركا. فالحزمة الجديدة من العقوبات ضد ايران من قبل الكونغرس ووزارة الخزانة والاختلاف بين وزارة الدفاع والخارجية، ويتم التداول بين "ويتكوف" كمبعوث لترامب لشؤون غرب آسيا ورئيس الفريق المفاوض مع ايران، اضافة لتصريحات المسؤولين رفيعي المستوى حول البرنامج النووي وما يتعلق من امور اخرى بايران، كل ذلك له تداعيات، فلماذا وجدت هذه الاختلافات؟ وما آطرها؟ وتأثيرها على ايران:
1 – قبل كل شيء فان موضوع التفاوض مع ايران هو امر خلافي في اميركا. ففيما يرى بعض الساسة ومنهم مسؤولي وزارة الدفاع بان المفاوضات ستنتهي لصالح ايران لان ايران مستعدة فقط التباحث حول الموضوع النووي بينما حق التخصيب من البديهيات ومن جهة اخرى فان اساس حق التخصيب قد قبله بعض الاعضاء الدائميين في مجلس الامن الاممي، وحين يكون مقبولاً على المستوى الدولي فان مساحة المناورة ستكون ضيقة، على ذلك فان قطاعاً من المؤسسات الاميركية ترى ان المفاوضات لا تفضي لشيء.
وفي قبال هؤلاء هنالك من يرى ان المفاوضات النووية بمثابة حض ايران لقبول حكمية اميركا، فان قبلت ايران ان موقف اميركا هو فصل الخطاب فسيسري على مواضيع اخرى كالقدرة العسكرية والنفوذ الاقليمي لايران، فهؤلاء بصدد الادبيات الهجومية "المسؤولة عن جميع الاحداث غير المرضية لايران"، لتسجيل صورة عن جهة مخلة، ومن ثم لترغيب الآخرين لورود التفاوض الذي يريده البيت الابيض. ولكن هؤلاء ينقسمون الى فريقين، ففريق يرى ان ايران، اذا شعرت بالضعف ستلجأ للتفاوض وحينها تدفع لجولات اخرى من المفاوضات حول مواضيع مختلفة، ولكن ان لم يحصل هذا الشعور لدى الايرانيين او ان مرحلة ضعفها قد انتهت، او تحسن وضعها شيئاً ما وحينها لا تؤخذ المفاوضات بجدية، هذا الفريق يؤمن وبشكل مبالغ فيه باحداث سنة مضت ولذا فان الوقت هو وقت التفاوض مع ايران ومن هنا بالامكان اخذ امتيازات من ايران دون تقديم شيء لها، ويتضمن مسؤولو المخابرات الاميركية في هذا الفريق.
وفي قبال هؤلاء هنالك من يرى ان ايران ليست ضعيفة ولن تترك الضربات لوحدات المقاومة اي اثر على قدرة ايران، ولذا لا يمكن اخذ شيء من ايران دون ايجاد ظروف مناسبة. ويبدو ان "جان مرشايمر" المنظر والفيلسوف السياسي لجامعات اميركا، وكذلك ترامب وايضاً ويتكوف من هذه الفئة. فهؤلاء يرون ان الظروف الحالية مناسبة لايجاد اتفاق مناسب لانه يمكن ان تمضي الامور لصالح ايران.
قبل ايام اتهم نجل ترامب من على صفحته الالكترونية، قطاع من مسؤولي الحزب الجمهوري بإضعاف "ويتكوف" وهم بصدد اعاقة مسار السياسة الخارجية لترامب. كما ونشرت "واشنطن اغزمينو" في مقال بأن "ايبك" وهي لجنة الشؤون العمومية بين اميركا و"اسرائيل"، قد شكل لجنة جديدة للتأثير على المفاوضات بين "ويتكوف" وعراقجي.
وشدد هؤلاء على عدم الوثوق بايران مطالبين بازالة البرنامج النووي لايران بالكامل، هذا في الوقت الذي يعلم ترامب ان الحرب مع ايران ليست لصالح اميركا.
2 – من البديهي عدم امكان تغيير مكانة ايران من حيث قدرتها الداخلية واثرها الاقليمي ودورها العالمي. هذه الحقائق تحدد اي تحد مع ايران. وبالطبع ان في بطن البحث عن القدرة الداخلية لايران حقيقة هامة وهي تصور الهيئة الحاكمة في ايران عن قدرة ايران. اذ يبدو ان هنالك اعتقاداً راسخاً ان ايران مقتدرة وبامكانها كسب حقوقها في الاجواء الملبدة، بينما اذا لم تكن هذه الرؤية وكانت البلاد بيد اشخاص مثل حسن روحاني ومحمد جواد ظريف لكانت التقييمات عن ايران انها ضعيفة وبالتالي تقديم امتيازات كبيرة. بالطبع ان هذه المرحلة طويت وان اميركا تعلم ذلك جيداً، ويكفي ان نقارن لغة الفريق المفاوض الاميركي خلال فترة روحاني عن اللغة المستعملة اليوم لنلتفت الى الاختلاف في نوعين من الفهم لقدرة ايران ومكانتها.
فايران اليوم منسجمة داخلياً وعلى فطنة، فالجمهورية الاسلامية بعد 46 عاماً من الخصام مع اميركا، قد ولجت المفاوضات مع حفظ مواقفها ومكانتها الخارجية التي تعتبرها اميركا تدخلاً، ولذا قد بينت ايران أطرها في التفاوض مما جعل الخصم مردداً في تجاوز هذه الأطر.
فالجولة الرابعة من المفاوضات قد تأجلت بسبب اصرار ايران على الاطر التي تؤمن بها، وتراجع آمال اميركا لفرض رؤيتها. فالفترة بين مجيء ترامب لدورة ثانية وبين نهاية الجولة الثانية من المفاوضات تعكس صورة واضحة عن ايران مقتدرة وكذلك صورة عن اميركا المضطرة للتفاوض. فالمشهد يعكس اقتدار ايران الداخلي. فزيارة وزير الدفاع السعودي "خالد بن سلمان" الذي يحتمل ترشحه لولاية العهد زيارته لايران وما تم التوصل اليه من اتفاقيات عسكرية، وكذلك طلب "غروسي" المشاركة في المفاوضات بين ايران واميركا ورفض ايران هذا الالتماس، وابعاد اوروبا عن فلك المفاوضات النووية وبالتالي عن دائرة تحولات المنطقة وتراجع الترويكا الاوروبية عن شروطها السابقة في المفاوضات مع ايران يعكس عدم امكانية فرض شيء على ايران في ظل هذه الظروف.
ان دور ايران الاقليمي والذي سعى البعض لتقليله او الاخلال به، لا يفسر الا بقوته. فايران والعراق كبلدين جارين تربطهما اواصر دينية عميقة يواجهان تهديدات مع ما لهما من فرص مشتركة في المنطقة، ومع حالة التزلزل الاميركي وحيرتها في التواجد العسكري وبارتكاب الكيان الصهيوني لمجازر بحق الشعب الفلسطيني واللبناني والسوري والذي يمهد لسريانه للعراق، يعزز ضرورة الروابط السياسية والامنية والعسكرية والاقتصادية و... ومدى اهميتها .
من هنا فان العراق حتى وان اطلق وزير خارجيته – المحسوب على الحزب الديمقراطي الكردستاني – كلاماً آخر، فهي عضو في جبهة المقاومة، كما ان لبنان وفلسطين في وضع يحتاجان فيه الى سلاح المقاومة، فيما العدو يطلق كل يوم لتثبيت ادعاءاته الباطلة خبراً، ويناور حوله لايام وهكذا يطلق خبراً آخر، الا ان واقع المنطقة هي واقع مقاومة.
فمياه المنطقة من البحر الاحمر الى المحيط الهندي ومن الخليج الفارسي الى البحر الابيض المتوسط هي تحت هيمنة المقاومة.
وخلال العام الماضي لم يحصل اي تغيير في المعادلة. وهذا ليس بالامر الذي تتجاهله اميركا كما طلب قبل يومين مسؤول رفيع في البنتاغون من اليمنيين القبول بالتفاوض مع اميركا. انهم اليمنيون الذين ادرجتهم اميركا قبل شهرين في قائمة الارهاب، انهم اليمنيون الذين تعرضوا خلال الاشهر القليلة الماضية لاكثر من 700 قصف شديد بطائرات اميركية متطورة جداً، وبعد ما يقرب من اربعة اشهر من القصف يطلب الجيش الاميركي من قادة انصار الله ان يغيروا الحالة السائدة الى حالة سلمية. اذن فهنالك المقاومة والاقتدار الايراني في هذه الجبهة. كما انه لا يمكن التغاضي عن مكانة ايران عالمياً في المعادلات الاساس. وان العلاقات المباشرة بين قادة ايران وروسيا والصين تعكس ان ايران حاضرة في مسار التحولات العالمية.
فأي دولة لا تريد التفاوض مع ايران مع هذا الافق الذي تمتلكه. في هذا الخضم تراجعت حيثية اميركا بشدة لانها سجلت قائمة من نكث العهود، ولذا لا مفر من التشكيك في مصداقيتها، ولكن السلوك المخادع لا يعني ان اميركا في ظل الظروف الحالية ليست مضطرة لتقديم الامتيازات، وهذا ليس للادارة الاميركية بمثابة خيار، وانما حقائق المنطقة فرضتها عليها وفريقنا المفاوض الذي برهن بذكاء بتأسيسه بتوحيهات قائد الثورة والمسار الذي رسم له، قد برهن على ان هناك ثلاثة امور يتابعها، الاول يعلم ان ايران مقتدرة ولم تتزعزع هذه القدرة والثاني يعلم ان الاميركيين بحاجة الى الاتفاق ولاجل رفع حاجتهم عليهم ان يقدموا امتيازات والثالث: انه يعلم "فريقنا المفاوض"، انه من غير الصواب التأخير او التعجيل في المفاوضات السياسية.
سعدالله زارعي