خطوات نحو اعادة صياغة النظام العالمي
كتب المحرر السياسي
يقتصر فهم العالم الغربي لمقياس القوة والتقدم لأي دولة على الثورة في عالم التقنيات النووية وانها حجر الزاوية لاقتصاديات العالم فتعتمد بصفة رئيسية على انتاج الطاقة، ولذا سارع لبناء المفاعلات التي استخدمت لتحويل الطاقة النووية الى طاقة حرارية ثم الى طاقة كهربائية. وبعقد من الزمان باتت قضية السلاح النووي الايراني احجية لم يدرك العالم مغزاها، اذ ان ايران الاسلامية مدركة ابعاد اللعبة وبأن العالم لا يراهن على السلاح النووي كثيراً وإلا فأن اخطر نظام في المنطقة هو الكيان الصهيوني لديه ما يقرب من 80 سلاح نووي منه 50 رأس حربي مجهز للايصال بواسطة صواريخ اريحا الباليستية متوسطة المدى، و30 قنبلة ثقالة "قنبلة غير موجهة" مجهزة للايصال بواسطة الطائرات. فيما تلتزم ايران بفتوى سماحة قائد الثورة بحرمة السلاح النووي وهي التي وصلت الى مرحلة الاختراق النووي او الوقت اللازم لتخصيب ما يكفي من اليورانيوم المستخدم في صنع الاسلحة النووية، وهي خطوة اساسية في الحصول على القدرات النووية، بالرغم من الضغوط الهائلة من المجتمع الدولي على ايران من اجل العودة الى خطة العمل المشتركة الشاملة والتي حدت من قدراتها النووية. ومنذ عام 2015 باتت الجمهورية الاسلامية تطور من تقنياتها في المجال النووي للاغراض السلمية اذ فتحت المجال للوكالة الدولية بأن تقوم بجولات تفتيش لا سابقة لها، لانها صادقة مع نفسها قبل الغير، إن واحدة من الاوراق الرابحة في صياغة نظام عالمي جديد هي التطور العلمي والتقني، وهذا ما يقلق الغرب وانما تتبجح بمد ايران للدول الصديقة وقوى المقاومة بالمنتوج التسليحي لا اساس له بل ان قلق العالم الغربي في ايصال ايران لتقنياتها وعلومها الحديثة لحليفاتها والدول الثورية. طبعاً كل هذا يشكل ركناً واحداً من صياغة النظام الجديد، اذ الركن الاهم هو اعادة صياغة الوعي التاريخي للمجتمعات، وهو ما توجس منه المفكر الستراتيجي الاميركي "صاموئيل هنتغتون" قلقاً في طرحه لنظرية صدام الحضارات فقد رأى صاموئيل "ان النزاع الايديولوجي بين الرأسمالية والشيوعية قد تلاشى ليحل محله نزاعات في اوسع معانيها على الهوية الحضارية بين حضارات عديدة في مختلف ارجاء العالم، وان الخلافات السياسية والاقتصادية بين الدول تكون على اساس كونها كيانات قومية بل ستصبح الاختلافات الثقافية – الحضارية هي المحرك الاساس للنزاعات بين البشر. وتنبأ صاموئيل بأن العوامل الثقافية ستساعد على تشكيل تكتلات اقتصادية كبرى بناء على انتمائها لحضارة مميزة بحد ذاتها بغض النظر عن تباين الهويات القومية. ولعل ابرز مصداق على ذلك "مجموعة البريكس" والتي تشكل الدول الاعضاء فيها 40% من مجموع سكان العالم، و30% من الناتج الاجمالي العالمي، و17% من صادرات العالم، وبدأت من الدول "البرازيل – روسيا – الهند – الصين وجنوب افريقيا" متجهة نحو مدفوعات غير مرتبط بالدولار، والخروج من هيمنة النظام المصرفي الغربي.
وتسعى الى الابتعاد عن منظومة المراسلات المصرفية "نظام سويفت" التي تسيطر عليها اميركا، ومن اهدافها استخدام العملات الوطنية في التعاملات التجارية، وتامل بتجاوز العقوبات والعراقيل الغربية بفضل الآلية اللامركزية.
ونتيجة للجهود الدبلوماسية التي بذلتها حكومة الشهيد رئيسي انضمت ايران رسمياً في كانون الثاني من عام 2024 الى هذه المجموعة بالتزامن مع انضمام مصر واثيوبيا والسعودية والامارات.
وفي المقابل ليست الازمة الاقتصادية التي تمر بها اميركا بالظاهرة الجديدة، اذ لازمت الاقتصاد الرأسمالي منذ نشأته.
ولعل اشهرها أزمة عام 1929 وازمة الدولار عام 1971 حين فقدت هيمنتها على الاقتصاد الرأسمالي الدولي، ونشوء قوى مزاحمة لاميركا في اوروبا واليابان.
واخيراً وليس اخراً ما اصدره ترامب من قانون التعرفات الجمرجية فكان كإلقاء حبة البطاطا الملتهبة في حجر الاقتصاد الاميركي المأزوم اصلاً، اذ سيؤدي الى ازمة وركورد اقتصادي وحتى انهيار لا سيما في قطاع السكن.
بعد أشهر من العطالة السياسية والركود الاقتصادي والخراب الاجتماعي.
ان التعرفات الجمركية هي في نفع الاثرياء فقط فقد واجهت اكثر الشركات الاميركية الانغلاق المبكر، اذ القانون لا يرفع من سعر السلع فقط وانما يسلب من الشركات قدرة البرمجة لامد طويل وبالتالي ستكون تداعياته في نفع الصين بعد ان تحركت للتنسيق مع دول اميركا اللاتينية ودول آسيوية واوروبية.