kayhan.ir

رمز الخبر: 204895
تأريخ النشر : 2025April15 - 20:22

لبنان: 50 عاماً على الحرب الأهلية… توقفت ولم تنتهِ

 

حمزة الحاج حسن

لم ينجح لبنان الدولة منذ إعلان الاستقلال وخروج فرنسا من أراضيه بفعل المقاومة الشعبية والسياسية، في العبور من النظام الطائفي إلى دولة المؤسسات. لكن الحضور الوطني سجل انتصارات تؤكد أنه لو توفرت الإرادة لخرجنا من الشرنقة الطائفية التي تعطل دور لبنان الريادي في المنطقة، وتأمين الحياة الكريمة والعدالة والمساواة بين جميع أبنائه وفق ما نص اتفاق الطائف (الدستور الجديد).

العمل الوطني أنتج الاستقلال الأول لكن الغريزة الطائفية كرّست الامتيازات وعمّقت الانقسام حول هوية لبنان بفعل الاستئثار بالسلطة في ظلّ المارونية السياسية وتهميش مختلف الشركاء في الوطن.

كانت الانتكاسة الأمنية والسياسية التي وُصفت بالثورة ضدّ الرئيس كميل شمعون عام 1958 بعد انخراطه بحلف بغداد الأميركي إلى جانب إيران الشاه، وكان رأس الحربة في هذه الثورة القوى الإسلامية والقومية. خيارات شمعون الانخراط في الحلف الأميركي أسّست للحرب الأهلية التي بدأت إرهاصاتها بعد انتكاسة مصر وسورية في حرب عام 1967 ضدّ الاحتلال «الاسرائيلي»، وانتهت بتراجع الحضور الناصري بأبعاده القومية في لبنان.

جاء الرئيس فؤاد شهاب ليحدّ من الاندفاعة الطائفية بتكريس المؤسسات، وما أن شارف عهد الجنرال على الانتهاء أطلق كميل شمعون وبيار الجميّل وريمون ادة تحالفهم المسيحي لتجاوز المرحلة الشهابية.

التحالف (الماروني) الجديد عمّق الانقسام الطائفي في البلاد فازدادت معه التدخلات الخارجية عربياً وأميركياً وأوروبياً. يقول السفير الأميركي في بيروت في حينه روبرت أوكلي «إنّ الحكومة الأميركية أمدّت الميليشيات المارونية بالمال والسلاح لفرض واقع جديد»، أتت على البلاد بالنار والدمار وأدخلت لبنان في نفق الحرب الأهلية التي أخذت معها أكثر 150 ألف قتيل لبناني وانتهت في اتفاق الطائف عام 1989 بإصلاحات دستورية أسّست في النصوص خارطة طريق للانتقال من النظام الطائفي إلى دولة المؤسسات، لكن تدخلات خارجية عديدة عطّلت الإصلاحات بالتكافل والتضامن مع اللبنانيين المتضرّرين من تجاوز النظام الطائفي.

ثبّت اتفاق الطائف عروبة لبنان ونهائية الدولة لجميع أبناء الوطن دون تقسيم، ووضع آليات دستورية لتجاوز النظام الطائفي وأكد على مواجهة العدو الاسرائيلي حتى تحرير كامل التراب اللبناني.

لقد نصّت وثيقة الوفاق الوطني في البند الثالثً تحت عنوان (تحریر لبنان من الاحتلال الإسرائیلي) على استعادة سلطة الدولة حتى الحدود اللبنانیة المعترف بها دولیاً وفق الآتي:

(أ ـ العمل على تنفیذ القرار 425 وسائر قرارات مجلس الأمن الدولي القاضیة بإزالة الاحتلال الإسرائیلي إزالة شاملة.

ب ـ التمسك باتفاقیة الهدنة الموقعة في 23 آذار 1949م.

ج ـ اتخـاذ كافـة الإجـراءات اللازمـة لتحریـر جمیـع الأراضـي اللبنانیـة مـن الاحـتلال الإسـرائیلي وبسـط سـیادة الدولـة علـى جمیع أراضیها ونشر الجیش اللبناني في منطقة الحـدود اللبنانیـة المعتـرف بهـا دولیـاً والعمـل علـى تـدعیم وجـود قـوات الطوارئ الدولیة فـي الجنـوب اللبنـاني لتـأمین الانسـحاب «الإسـرائیلي» ولإتاحـة الفرصـة لعـودة الأمـن والاسـتقرار إلـى منطقـة الحدود).

في كلّ ما تقدّم وبعد خمسين عاماً على انتهاء الحرب الأهلية، وخمسة وثلاثين عاماً على اتفاق الطائف، توقف القتال وسكت الرصاص لكن لم تنتهِ أسباب الحرب ودوافعها حيث عاد الانقسام حول المسلّمات الدستورية التي حسمها الطائف بعد أن كانت سبباً لاندلاع الحرب فيما يُصرّ البعض على رفض تطبيق الدستور وإصلاحاته متمسكاً بامتيازات كانت ولا تزال السبب في الحرب المشؤومة وعدم قيام الدولة وتحقيق العدالة والمساوة بين اللبنانيين.

ولعلّ أخطر ما في الانقسام اللبناني هو العامل «الإسرائيلي» الذي كان ولا زال التهديد الأول والأخير لوجود لبنان ومكوناته ودوره ورسالته، فما جاء في الدستور اكد على تنفيذ القرارات الدولية التي تجاهلتها «إسرائيل»، وبدل أن تلتزم بخط الهدنة الذي نصّ حرفياً على انّ الحدود هي بين لبنان وفلسطين وفق المواثيق والاتفاقات الدولية تمادت في اعتداءاتها ومجازرها حتى وصلت الى احتلال العاصمة بيروت، وفي ذروة العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان منذ أيلول العام 2024 وخرق اتفاق وقف إطلاق النار يقف لبنان الرسمي ومعه المجتمع الدولي عاجزاً أمام وقف الترهيب الإسرائيلي الذي ينسف الثقة بدولة قادرة على تحرير الأرض وحماية مواطنيها ومنع الاعتداءات.

الدستور أكد على تحرير الأرض بكلّ الإجراءات اللازمة وبسط سيادة الدولة يأتي لاحقاً التحرير الذي يبقى غير ناجز طالما بقي الاحتلال على شبر من أرض لبنان ويواصل اعتداءاته البرية والبحرية والجوية. وفي هذا الشأن فإنّ من واجب اللبنانيين الدفاع عن بلدهم في حال تخلفت الدولة أو عجزت عن ذلك.

بالإضافة الى هذه التحديات «الإسرائيلية» عادت نغمة التقسيم والفدرالية الى خطاب بعض القوى وهو ما كان حسم بالدستور بنهائية لبنان لجميع أبنائه وعلى مسافة عام من الانتخابات النيابية لم يرتق قانون الانتخابات الى تجاوز الطائفية وقيودها على أساس النظام النسبي وفق دوائر المحافظات الخمس أو لبنان دائرة واحدة كخيار أوسع لإنتاج طبقة سياسية خارج الاصطفافات الطائفية بموازة ذلك إنشاء مجلس شيوخ يحفظ تمثيل الطوائف في القرارات الوطنية الكبرى.

الحرب الأهلية التي مرّ عليها خمسون عاماً قضى فيها أكثر من 150 قتيلاً ونحو عشرين ألف مفقود لتنتهي باتفاق اللبنانيين على تسوية دستورية تحقق العدالة وتنهي التميّز بين اللبنانيين ليكونوا مواطنين في دولة المؤسسات القائمة على العدالة والمساومة وإعلام يساهم في صناعة رأي عام وطني يؤمن بالحرية المسؤولة التي تحفظ كرامة الانسان وتدافع عن حقوقه المشروعة.

العاقل يدرك أننا غير محتاجين إلى إعادة تجربة الانقسام والاقتتال في رهانات خاطئة ونزوات مدمرة.