kayhan.ir

رمز الخبر: 204531
تأريخ النشر : 2025April08 - 20:22

ما هي كلمة سر التهديدات الاميركية لإيران؟

 

سعدالله زارعي

 ان الدورة الرئاسية الحالية لترامب هي تكرار للدورة الاولى من كل الجوانب، الا ان الفريق الرئاسي من حوله وبعض وسائل الاعلام الاجنبية المرتبطة أو المماهية مع فريقه وكذلك البعض في ايران يعكسون الامر وكأن العالم في مواجهة ترامب جديد. فيما ترامب نفسه ولإجل أهداف على المستوى الداخلي في اميركا وعلى المستوى الخارجي يفتقر الى هكذا صورة.

والصورة التي يراد عكسها بأن العالم في مواجهة رئيس خلاق للمستغرب ولا يمكن توقع افعاله اذن فلصالح الآخرين ان لا يواجهوه. هو نفسه في التاسع والعشرين من مارس الماضي خلال حديث لفاكس نيوز قد قال: "لقد ارسلت مؤخراً رسالة الى المسؤولين الايرانيين دونت فيها ان عليهم ان يوضحوا قرارهم فإما هم الى هذا الجانب أو ذاك". واذا عدنا الى خمس سنوات حين خرج ترامب من خطة العمل الشاملة لشهدنا نفس الاسلوب، فحينها قد قال: على ايران ان تخضع لاتفاق كبير مع اميركا وانا انتظر رد المسؤولين الايرانيين، وصار يعطي الوعود بأن ايران ستأتي اليوم وستأتي غداً، وحين فشل في الانتخابات الرئاسية عام 2020 امام خصمه الديمقراطي العجوز، إدعى أن ايران كانت مستعدة للخضوع لاتفاق كبير معنا إلا ان سياسة جو بايدن التساهلية قد خلطت الاوراق.

ان آلية ترامب لمتابعة سياسته في ذلك الوقت كشبيهتها اليوم تعتمد امرين: "الضغوط القصوى" "التهديد بعمليات عسكرية". ولكن الحقيقة هي انه في ذلك الوقت قالت المحافل السياسية لترامب ان الضغوط القصوى لا تخضع ايران لقبول مطالبها. وحتى حين اسقطت ايران المسيّرة الاميركية – غلوبال هاوك – في سماء مضيق هرمز، وفي مرحلة بعدها حين الرد على ما قامت به اميركا بقتل القائد قاسم سليماني وابومهدي المهندس فأمطرت قاعدة عين الاسد بوابل من الصواريخ فتدمرت حيثية اميركا رجح ترامب على ان لا يفعل شيئاً ولا تصل الامور للمواجهة العسكرية. وكانت هذه تجربتنا مع ترامب وسياسته. وخلال الاشهر الثلاثة واستئناف ترامب للسياسة الهجومية ظاهرياً على اجزاء كثيرة من العالم، كذلك نراه يتراجع سريعاً حين يجد مقاومة ولا ينتابه أي حياء لتغيير موقفه المفاجئ!

بالطبع اضاف ترامب عنصراً ثالثاً على سياسته وهو "المخادعة"، على سبيل المثال تظاهر في قضية إنهاء حرب اوكرانيا انه توصل مع روسيا الى حل سريع وعلى ذلك اطلق مكالمته الهاتفية مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" لتستتبع المكالمة محادثات وزراء خارجية اميركا وروسيا في الرياض، بحيث ان بعض المتفائلين قالوا ستتوقف الحرب الاوكرانية اليوم أو غداً. الا ان ترامب شرع بعقوبات جديدة على روسيا وذلك لعدم صدقيته. فاضافة عنصر ثالث لسياسة ترامب يعكس ضعف منهجيته في الآليتين القبليتين "الضغوط القصوى" و"التهديد بالحرب"

خلال هذه الايام ولاجل ايصال التهديد الى الحرب ألقيت اخبار في وسائل الاعلام، حين افادت وسائل الاعلام الغربية، وبعض الاذيال في المنطقة وآخرين في ايران بتغيير في جزيرة "دييغو غارسيا" في المحيط الهندي وزيادة التحرك والقدرة العسكرية لهذه القاعدة التابعة للجيش الاميركي، كما وكتب آخرون ان اميركا بصدد تعزيز قدراتها العسكرية في قاعدة عين الاسد في العراق، فيما قال آخرون ان اميركا بصدد نقل منظومتها الدفاعية "بي 52" من مناطق قرب كوريا الشمالية الى مياه الخليج الفارسي. فيما اعلن البنتاغون في الثاني من ابريل بأن وزير الدفاع "بيت هوغست" قد قال: "اذا ما وجهت ايران والقوى التي تقاتل بالوكالة عنها تهديداً الى جنودنا او مصالح اميركا في المنطقة، فان اميركا سترد بشكل قاطع". الا ان الحقيقة هي انه من جهة لم يؤيد اي مصدر مستقل لاسيما مصادر محلية الاخبار المرتبطة بـ"دييغو غارسيا" او "عين الاسد" أو نقل المنظومة الدفاعية من كوريا الشمالية الى الخليج الفارسي، ومن جهة ثانية فان ماهية هذه الاخبار تستبطن عدم حقيقتها، اذ ان الانفعال العسكري الاميركي في منطقة غرب آسيا لاسيما في الخليج الفارسي لا يعود لعدم وجود قوى عسكرية اميركية كافية في قواعدها المتعددة وكذلك عدم وفرة الاليات القتالية، فقاعدة عين الاسد هي اكبر قاعدة برية عسكرية غرب آسيا، كما ان قاعدة المنامة البحرية في البحرين اكبر قاعدة بحرية في العالم، اذن فان انفعال اميركا ليس بسبب قلة المجندين أو العتاد. ولكن لاجل ان تعطى الاهمية لتهديدات ترامب والبنتاغون، ألقت وسائل الاعلام بهذه الاخبار التي لا اساس لها ألقت بها في ساحة الجدال مما تفاعل معها بعض السذج في الداخل.

ان الحقيقة تكمن في ان اي اقدام عسكري اميركي سواء في المنطقة او مناطق اخرى يصاحبه مجازفة كبيرة. فلفترة طويلة تثار الشكوك حول القدرة العسكرية الاميركية وامكانيتها في فض الشباك. لننظر الى ساحة المواجهة العسكرية الاميركية ضد اليمن. اذ ان انصار الله دخل الحرب دفاعاً عن الشعب المظلوم في غزة من دون ان يتلقون أمراً من جهة ما ففرضوا وجودهم على البحر الاحمر ووجهوا ضرباتهم الصاروخية الى اعماق الكيان الصهيوني. فاميركا خلال الشهر الاخير وباستخدام اغلى العتاد ومنها قاذفات بي 52 لتضرب مناطق من جبال اليمن. وحسب بعض التقارير المحلية المعتبرة فان الجيش الاميركي ولاجل ضرب نفق له عدة منافذ ينبغي ان تهاجم ثلاث مرات بطائرات بي 52، والنتيجة لا تعدو انهدام متر اومترين من مقدمة نفق يحتوي عدة منافذ! وإثر هذه الهجمات اعلن ترامب في 31 مارس "ان القوات اليمنية قد تدمرت بعد هجمات مستمرة لاسبوعين وتمت تصفية الكثير من المقاتلين والقادة".

واللافت انه بعد هذ الاعلان تم استهداف تل ابيب بالصواريخ الباليستسة! اذن بات واضحاً للاميركيين ان هذه الآلية في القتال لا تجدي نفعاً  في مواجهة المقاومة. وقد شددت مجلة "فارين افيرز" التابعة للجنة العلاقات الخارجية الاميركية على هذا الامر قبل اسبوع. من هنا لا ينبغي ان نشكك في ان معادلة ترامب الحقيقية في مواجهة ايران ليست باللجوء الى القوة الا اذا تغيرت الظروف في ايران، بان يكون الفاعل العسكري كجهة مكملة لسيناريو مركب، وفي هذه الحالة كذلك يكون اللجوء الى الفاعل العسكري يلقي بظلاله على آلية الحرب التركيبية ضد ايران مما يفضي الى تغيير اساسي في ساحة المواجهة.

ان الآلية العملانية الاميركية في مواجهة الجمهورية الاسلامية تتلخص في ايجاد خلل في المنظومة الاقتصادية الايرانية. ان تحليل فريق ترامب هو انه من بين جميع العناصر العملانية الاميركية والتي استخدمت ضد ايران خلال العقود الماضية، لم تفلح نسبياً سوى بالضغط الاقتصادي. اذ ان تغيير سعر الدولار في ايران خلال الاشهر الماضية من 60 الف تومان الى اكثر من مائة الف قد اقنع فريق ترامب بان الاسلوب الانجع في مواجهة ايران هو الضغط الاقتصادي. ان اميركا ترى ان الوضع الاقتصادي هو بشكل يستجيب للضغوط. وبالطبع لما كانت هذه الآلية لا تثقل كاهل اميركا وتعطي ثمرتها بالضغط على الحكومة والشعب الايراني مما يثير الداخل، فلماذا تختار العمل العسكري وهو يشكل مجازفة لها لكثرة قواعدها في المنطقة ومن جهة اخرى سينعكس على وضع الكيان الصهيوني في المنطقة، فاميركا تعلم جيداً انها اذا اختارت العمل العسكري ولو جزئياً ستواجه برد عسكري وسيع من قبل الجمهورية الاسلامية وهذا ما ينعكس على وضع المنطقة، كما نشهد علائم من تداعيات الحرب في جميع الحكومات العربية من حول ايران. فاي عمل عسكري حتى لو كان محدداً، فهذا سينجر الى تدمير الكيان الصهيوني، وحينها ليست فقط القواعد العسكرية والامنية لهذا الكيان ستتعرض لضربات قدرات ايران وانما كل البنى التحتية لاسرائيل ستتهدم وهذا ما تعرفه اميركا جيداً ولا يمكن ان تتجاهله.

اذن فالحقيقة تكمن في ان اميركا قد ركزت على الاقتصاد الايراني، واذا ما تطرقت الى العمل العسكري، فانه لتشديد التأرجح في سعر الدولار واستمرار اجواء انعدام الثقة بالاقتصاد الايراني. وفي هذا الخضم ما الذي ينبغي فعله؟ فمن جهة ينبغي ان نزيل هوة التهديد الاقتصادي الاميركي مع التهديد العسكري. وتظهر ان اي تهديد اقتصادي على ايران هو بمثابة تهديد عسكري اذ هو هكذا قد تم تنظيمه. ومن جهة ثانية فبالنظر الى ان الارقام تقول انه بالرغم من التهديدات الاقتصادية والعقوبات فان اسس الاقتصاد الايراني مازال محكماً بحيث ان اجمالي الناتج المحلي الايراني لا يتعدى المرتبة 26 عالمياً.

ولنكن واثقين ان بنفس المنهجية التي خضناها يمكننا ان نضع مسار اقتصاد البلاد في فلك صحيح وبذلك ستنتهي التخرصات العسكرية الاميركية والغربية ضد ايران، وان كلمة سر التهديدات العسكرية للعدو هو الوضع الحالي لاقتصاد ايران، وبإصلاح المنظومة الاقتصادية سيتم إبطال كلمة السر هذه.