تركيا مباركةً والدماء لمّا تنشف
لم تكن زيارة مفاجئة ما قام به وزير خارجية تركيا "هاكان فيدان" مع وفد يضم وزير الدفاع التركي ورئيس المخابرات، فهي لطمأنة ربيبتها القديمة الجديدة "جبهة النصرة" ان تركيا ترقب الاوضاع في سوريا بشكل دقيق، وكان اول تصريح لوزير الخارجية التركي؛ ان احداث الساحل السوري استفزاز متعمد لحكومة دمشق. وبالطبع لا تعير تركيا للدماء التي اريقت تعسفاً في مدن الساحل السوري اي اهمية، وقد بلغت ما يقرب من الفين مدني حسب المرصد السوري لحقوق الانسان وتفيد مصادر الى 4 آلاف – حسب فوكس نيوز – في همجية واضحة يندى لها جبين كل شريف. كما ان التهديدات لسكان هذه المناطق مازالت مستمرة وبشكل غير رسمي عن طريق نداءات عممت على كل مساجد سوريا تدعو للجهاد واطلاق الوعيد بقتل العلويين والشيعة في ادلب وحلب وطرطوس واللاذقية. فيما ينقل الوزير التركي بشرى للجولاني بخبر زيارة الرئيس التركي "اوردغان" الى دمشق خلال الاسبوعين القادمين، لتأكيد الدعم والحضور المباشر لقوات تركية تستقر في حزام على الحدود بذريعة حفظ الامن القومي التركي، وتحسباً لأي كنتون فدرالي كردي تحاول الادارة الذاتية الكردية انشاؤه. وبالطبع كل ذلك بتنسيق مع الادارة الاميركية، وهو ما نفهمه من تصريح الجولاني بلقائه مسؤولين اميركان، ان لا مشكلة لسوريا بوجود قواعد اميركية ثابتة على الاراضي السورية.
وسبق ان التقى الجولاني مساعدة وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى "باربرا ليف" وسيزور ثلاثة دبلوماسيين اميركيين دمشق هذه الايام دون الافصاح عن الهدف. وقد سارع الجولاني التوقيع على ورقة صياغة الاعلان الدستوري، اول امس لضمان تمسكه والعصابات الارهابية التابعة له على مقاليد ادارة البلاد، بعد ان اكد عضو لجنة صياغة الاعلان الدستوري "احمد قربي"، ان الخلافات حول نص الاعلان طبيعية ومتوقعة. اذ ان الادارة الذاتية لشمال وشرق سوريا قد اعلنت ان الاعلان الدستوري يتنافى مع تنوع سوريا، مشككة بنجاح التجربة الديمقراطية لادارة سوريا. كما واعلن زعيم الدروز عقل الطائفة "حكمت الهجري" ان الادارة الجديدة لسوريا متطرفة ولا يمكن التفاهم والاتفاق معها، محذراً بالقول: سنذهب الى ما هو مناسب للطائفة ولا وفاق ولا توافق لدينا مع الحكومة. فيما صرح الزعيم الدرزي "حمود الحناوي" بان الذي حصل في الساحل ستطال اخطاره الجميع وتنعكس عواقبه الكل، وزعزعت الثقة.
وقد رسخ الاعلان الدستوري على صلاحيات الجولاني الواسعة وتمسكه بالحكم وذلك بعدم وجود منصب لرئاسة الوزراء وان مدة المرحلة الانتقالية خمس سنوات ولا يحتمل اجراء اي انتخابات خلال هذه الفترة، كما وسيتم تأسيس مجلس تشريعي مصغر بعد حل مجلس الشعب. ثلث اعضائه يعينهم الجولاني، اما الثلثين الاخرين من اعضاء هذا المجلس سيتم تعيينهم من قبل هيئات ناخبة نيابة عن الشعب.
وان المصدر الاساس للتشريع هو الفقه الاسلامي دون الاخذ بنظر الاعتبار الطوائف والاديان المتعددة في البلد. اذن فمستقبل سوريا سيتم رسمه بشكل احادي، لاسيما وقد غاب عن اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني ممثلون عن الدروز والعلويين وهما من الاقليات الكبيرة، اضافة الى "مجلس سوريا الديمقراطية" الذي يمثل الادارة الذاتية الكردية بينما تشكلت اللجنة التحضيرية من خمسة اعضاء من "هيئة تحرير الشام" من اصل سبعة اعضاء.
لقد بات واضحاً من هذه القراءة السريعة ان هنالك مخططاً احكم نظمه بادوات اقليمية ودولية ولذا صار مصير سلاح المقاومة له بعداً وجودياً لاسيما بعد مجازر الساحل السوري. وحسب مسؤول عراقي فان كل الجهد الذي بذله الاميركيون لاقناع الحكومة بجدوى طرح مستقبل سلاح المقاومة العراقية قد تبخر مع المجازر المرتكبة في سورية لان لا احد يستطيع بعد ما جرى التحدث عن القاء السلاح في العراق وربما اكثر في لبنان حيث تصرح الجماعات المؤيدة للنظام الجديد في سوريا انها تنوي الذهاب الى لبنان والى العراق بهدف تدمير المقامات وقتل ابناء الطائفة الشيعية.
ولعل اجزل ما تم تعبيره عن هذا التحدي الواضح ما عبر عنه سماحة قائد الثورة الاسلامية آية الله العظمى السيد علي الخامنئي خلال استقباله الاربعاء الماضي حشداً من طلبة الجامعات...بالقول: "صحيح ان فقدان قادة المقاومة يعد خسارة كبيرة لكن اذا تمتع الشعب بالهدف والجهد فان خسارة الشخصيات البارزة لن تؤثر على مسيرته نحو الامام... وان ايران اصبحت اقوى من العام الماضي ولم تضعف ونملك قدرات كبيرة في مختلف المجالات لم نكن نملكها من قبل مؤكداً: ان الجمهورية الاسلامية لو كانت تنوي صنع السلاح النووي لما تمكنت اميركا من منعها وان عدم امتلاك ايران للسلاح النووي هو قرار نابع من ارادتها الذاتية".