توافقات دولية والشعوب مكسر عصا
بعد احتساب حصة كل طرف وحصول البعض على المكافأة كما اعتاد السياسيون ارتفع الدخان الابيض من دمشق والاعلان عن اتفاق وقعه الجولاني الاثنين الماضي مع قائد قوات "قسد" مظلوم عبدي. فلم يكن الاتفاق وليد اللحظة اذ امتد التفاوض لاكثر من شهرين، وان ضابطاً اميركياً قد وصل الى دمشق مع قائد قوات قسد اقلتهما مروحية اميركية من نوع اباتشي، وقدم الجولاني كل التنازلات للتوصل الى اتفاق، اتفق الطرفان على 9 نقاط من اصل عشرة كانت محل خلاف بينهما، على ان يتم التفاوض على النقطة المتبقية لاحقاً، وهي حول السجون التي تضم عناصر من عصابات داعش والتي تصر واشنطن على بقائها تحت سيطرتها، اما سائر الامور فهي غير مهمة بالنسبة لاميركا مثل؛ انضواء القوة الكردية تحت مظلة جيش الدولة السورية ودمج قسد في مؤسسات الدولة، ودمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن ادارة الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز. على ان تطبق البنود حتى نهاية العام. وبذلك تختتم صفحة "قسد" التي تأسست خريف عام 2015 في قامشلي بمحافظة الحسكة لمواجهة تنظيم الدولة "داعش"، حتى تم تدمير آخر معاقل التنظيم عام 2019.
وحسب ما يرشح من اخبار هي اعلامية وليست ضمن خفايا الاتفاق فأن الكيان الصهيوني مستاء من هذا الاتفاق لانه ينتظر تقسيم سوريا.
اما تركيا فهي مازالت متوجسة بالرغم من ان الاتفاق جاء بناءً على اتفاق تم توقيعه في شهر شباط الماضي بين واشنطن وانقرة، اذ تتهم تركيا وحدات حماية الشعب الكردية بالارتباط بحزب العمال الكردستاني الذي دعا زعيمه "عبدالله اوجلان" عن حله والقاء السلاح قبل اسبوعين.
والامر المهم الآخر هوعدم التطرق لوجود القوات الاميركية في سوريا، وكذلك قضية المقاتلين الاجانب في صفوف "قسد" وهل ستتم تسوية امورهم واخراجهم من البلد، وهنالك ستة معتقلات تديرها "قسد" تضم 10 آلاف عائلة من عناصر داعش، قد يتم نقلهم الى صحراء العراق مما يشكل تهديداً خطيراً اذ تكون بمثابة تحفيز للخلايا النائمة وجرعة معنوية لما يقدر من خمسة آلاف داعشي في العراق يعملون بشكل خيطي وكمجموعات منفردة تتحرك في سلسلة جبال حمرين الواقعة شرقي البلاد، وبعض المناطق الصحراوية في الغرب تستغلها كملاذات آمنة. وقد نفذ جهاز مكافحة الارهاب العام الماضي 341 عملية أمنية اسفرت عن مقتل 147 عنصراً داعشياً. وليس للتنظيم في العراق حاضنة عقائدية وانما تواجده في الاساس لاسباب سياسية وبالدرجة الثانية اقتصادية، لا علاقة له بأصل تنظيم القاعدة الذي تأسس في 11 اغسطس من عام 1988 والذي هو وليد فكر إبن لادن، فأصبح اداة أو بندقية مأجورة تستخدمها مجموعات لتقاطع المصالح بين الدول العظمى والدول الاقليمية. والارضية مهيئة في العراق اكثر من أي مكان آخر وذلك لوجود أزلام النظام البعثي البائد وكذلك المتضررة مصالحهم والمفلسين شعبياً ودعاة التقسيم وخلق الكانتونات لاسيما في غربي العراق. وعلى سبيل المثال لا الحصر دعا "اسامة النجيفي" عام 2011 الى انشاء اقليم سني عندما كان رئيساً للبرلمان العراقي. ونشهد حالياً تحركات الرئيس السابق للبرلمان "محمد الحلبوسي"، رئيس حزب تقدم واكبر الاحزاب السنية، فقد سافر في الرابع من ديسمبر الماضي الى اميركا، تركت الزيارة موجة من التساؤلات لدى المراقبين لاسيما توقيتها ومصادفتها مع التغيرات الكبيرة التي تشهدها المنطقة واللقاء بشخصيات مؤثرة في اميركا، اعقبتها في "21 ديسمبر" اجتماعات مع نخبة من القيادات السنية في مقر الحزب "تقدم"، واصدار بيان طالبوا فيه بتطبيق ورقة الاتفاق السياسي والعفو العام عن المسجونين سياسياً. ولعل اوضح ما سمعناه تصريحات رئيس تحالف"عزم" الشيخ خميس الخنجر في مهاجمته لرجال السياسة العراقيين ممن ساهموا باسقاط المجرم صدام، حين قارن بين طريقة مجيئهم الى الحكم "على دبابات اميركية"، والطريقة التي جاء بها الجولاني للسيطرةعلى دمشق بأنه القائد الفاتح والمجاهد العظيم. ومع قرب الانتخابات في العراق يتسارع الحراك السياسي من دون ان نعلق على طريقتها ولكن للمعلومة فأن اكثر من عشرين حزباً من الاحزاب المدنية والليبرالية اجتمعت في بغداد للاعلان عن تأسيس تجمع بأسم "نخوة العراق" تعرض بدائل سياسية لتغيير الوضع، بعد فشل احزاب السلطة – حسب زعمهم – في ادارة البلد لعقدين. ومن مخرجات التجمع: لا يهم ان تكون يهودياً أومسيحياً أو مسلماً فالجبهة بأسم العراق.
هذه المؤشرات لو جمعناها الى تصريح مريب لرئيس لجنة الامن القومي للكنيست الاسرائيلي "بوعاز بيسموت" والذي يدعو الى السيطرة على سوريا بالقول: "لن نسمح بظهور قوة عسكرية جديدة في سوريا بعد انهيار نظام بشار الاسد، ويجب ان تخضع دمشق لنفوذ كامل من قبل "اسرائيل" والسيطرة عليها امراً محتماً، فسوريا تمثل معبراً استراتيجياً للوصول الى نهر الفرات وان التوسع الاسرائيلي سيشمل في المستقبل العراق ومنطقة كردستان". فهدف الدول الغربية من ايجاد "اسرائيل" لا يقتصر على احتلال فلسطين بل يخططون للمنطقة بنفس المصير الذي انتهت اليه فلسطين. وهو ما اشار اليه سماحة الامام الخميني "ره" عام 1972 بالقول: "ألا تعلم الحكومات العربية والمسلمون المقيمون في هذه البلدان بأنه اذا ما تم القضاء على حالة الجهاد فأن البلدان العربية الاخرى سوف لا تسلم من شر هذا العدو الخبيث ولن تنعم بالامن والامان".