سياسة التخلي عن أقرب الحلفاء!
كانت اميركا تعتمد سياسة العزلة بدايات القرن العشرين وفقاً لمبدأ مونرو. فلم يكن لها الدور الفاعل في المنطقة بشكل عام، وبدأ اهتمامها نحو الشرق الاوسط مع اندلاع الحرب العالمية الاولى والتزامها بالحركة الصهيونية مع نهاية الحرب العالمية حين اخذت دور بريطانيا الداعم والمتطابق مع موقف الحركة الصهيونية، والاعتراف الفوري بالكيان الصهيوني عند اعلان قيامها في ايار / مايو 1948، بينما تعاملت الادارة الاميركية منذ تولي بوش الابن الرئاسة عام 2001 مع المقاومة الفلسطينية على انها ارهاب وايدت عمليات جيش الاحتلال ورأتها دفاعاً عن النفس. كما وعززت الانقسام الفلسطيني والسعي لاستمرار الكيان بنشاط الاستيطان، واسوأ سياسة اميركية تقليدية تجاه الفلسطينيين خلال حكومة ترامب منذ الدورة الاولى 2017. فقد أعلن ترامب في السادس من ديسمبر 2017 اعتراف ادارته بالقدس المحتلة عاصمة لـ"اسرائيل" ونقل سفارتها الى القدس، ونقلت الادارة الاميركية في 14 أيار 2018 سفارتها في تل ابيب الى القدس المحتلة وقال ترامب آنذاك إن نقل السفارة يزيح ملف القدس من اي مفاوضات "فلسطينية – اسرائيلية"، كما وقررت الادارة الاميركية في 2 اغسطس / آب 2018 قطع كافة مساعداتها المقدمة للفلسطينيين وقطعت في 3 آب 2018 المساعدات عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "اونروا" بقيمة 365 مليون دولار، وطردت في 16 ايلول 2018 السفير الفلسطيني لديها وعائلته من بلادها، واغلاق الحسابات المصرفية، كما واعترف ترامب في 25 آذار 2019 بسيادة "اسرائيل" على مرتفعات الجولان السورية المحتلة منذ عام 1967، ولم تعد تعتبر المستوطنات في الاراضي المحتلة مخالفة للقانون الدولي.
فيما اعلن ترامب في يناير 2020 خطة السلام للشرق الاوسط المعروفة بصفقة القرن، وهي تدعو لاقامة حكم ذاتي على مناطق سكنية غير متصلة جغرافياً وتقطع اوصالها المستوطنات الاسرائيلية. وايدت ادارة ترامب ضم "اسرائيل" اجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة لسيادتها والتي تأجلت لحين استكمال عمليات التطبيع حسب مبعوث ترامب للشرق الاوسط حينها "آفي بيركوفيتش"، وذلك بضم منطقة غور الاردن وجميع المستوطنات اي ما يعادل 30% من الضفة الغربية.
وخلال حرب غزة الاخيرة تجاوزت مساعدات اميركا لكيان الاحتلال 124 مليار دولار، وهي اكبر قدر من المساعدات العسكرية مقارنة بأي دولة اخرى منذ الحرب العالمية الثانية، فقد قدرت حجم الاسلحة والذخائر بخمسين الف طن منذ 7 اكتوبر 2023. وكان آخرها شحنات قنابل ثقيلة بزنة 2000 رطل، والحبل على الجرار.
ولعل أبرز ما يعكس مدى خذلان اميركا لحلفائها ما عبرت عنه في المحادثات التي استضافتها السعودية بين اميركا وروسيا على لسان ترامب منتقداً زيلينسكي بالقول: اليوم سمعت تصريحاً عن انه لم تتم دعوتنا، حسناً كان يجب ان تنهوا الحرب التي كان يجب ألا تبدأوها أبداً وكان بامكانكم عقد صفقة. ان نسبة شعبية رئيس اوكرانيا انخفضت الى 4%.
وكانت قد وقعت اميركا مع اوكرانيا في الخامس من ديسمبر عام 1994 مذكرة للضمانات الامنية والدفاع عنها قبال اي غزو على ان تزيل اوكرانيا ترسانتها النووية "وكانت تعتبر اوكرانيا حينها ثالث أكبر دولة نووية من حيث ترسانتها البالغة 1800 رأس نووي" والانضمام الى معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية. وقد وفت اوكرانيا بكل التزاماتها بعدم السعي لامتلاك قدرات نووية. هذه اللعبة التي انطلت على اوكرانيا عبر عنها "جون ميرشايمر" المفكر الاميركي البارز بالقول: ان اميركا وحلفاءها هم المسؤولون الرئيسيون عن الحرب في اوكرانيا. اذ ان قرار ضم اوكرانيا الى حلف شمال الاطلسي ادى الى صراع مع روسيا، وقد تخلت اميركا عن الخيار الدبلوماسي لاحلال السلام، بل روجت للحرب من خلال تقديم دعم عسكري ضخم لكييف ومن خلال تزويد اوكرانيا بالقوات المسلحة، واسلحة عسكرية متطورة. لقد شهدت هذه الظاهرة مرتين في حياتي: الاولى في حرب فيتنام والثانية في حرب العراق.
بينما يصرح وزير الدفاع الاميركي الاسبق "لويد اوستن" في ابريل 2022 بكل وقاحة: "ان هدفنا من هذه الحرب استنزاف الجيش الروسي ونحن بحاجة لتقديم ضحايا من الاوكرانيين لاجل الوصول لهدفنا". وتصل الامور الى درجة بأن يصف ترامب زيلينسكي بانه ديكتاتور بدون انتخابات ومن الافضل له ان يتحرك بسرعة وإلا فلن يتبقى له بلد.
إن الجمهورية الاسلامية الايرانية هي الجهة الوحيدة التي شخصت نوايا اميركا منذ اليوم الاول لانتصار الثورة الاسلامية فكانت تصريحات الامام الخميني "ره" خير دليل على ذلك، ومنها: "ليس من الشرف والكرامة ان تكون لنا علاقات مع امثال اميركا فالحكومة الاميركية عديمة الكرامة والانسانية ولاجل ذلك لا نتطلع الى اقامة علاقة معها. ان اميركا هي العدو رقم واحد للشعوب المحرومة والمستضعفة في العالم. ان اميركا ولاجل تحقيق هيمنتها السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية على العالم لن تتوانى عن ارتكاب اية جريمة. انها واياديها الغامضة والمجرمة تعمل على امتصاص دماء الابرياء من الشعوب... انها تسلخ جلود المظلومين اينما كانوا وتلقي على رؤوسهم القنابل وتنهب موارد الشعوب، فكيف يمكن ان تكون لنا علاقة معها؟!".
وهذا هو نفس نهج سماحة قائد الثورة في تشخيصه لخطر اميركا: "ان تهديدات اميركا لا تؤثر على افكار شعبنا ومسؤولينا..."، وفي مناسبة ثانية قال سماحة القائد: "ان عداوة اجهزة صنع السياسة في اميركا المستبدة ليست بسبب ترديد شعار "الموت لاميركا" بل هي متجذرة في ان ايران تمكنت من الخروج من نير المستعمرين ولم تستسلم للاملاءات في ظل جهود وتضحية الشعب".