حالة غزة الثورية ما يخيف ترامب
ما الذي يدفع ترامب للاصرار على اعادة توطين اهالي غزة في أي بقعة من العالم، وان يحل اناس من جميع العالم محلهم، ألم تكن غزة قبل عام 2005 تحت هيمنة اليمين المتطرف الاسرائيلي برئاسة وزراء "ارئيل شارون" حينها، فاعلن عن انسحاب معظم القوات الاسرائيلية من خان يونس، واخلاء جميع سكان المستوطنات وهدم المباني السكنية الاسرائيلية بحلول الثاني عشر من سبتمبر 2005، ضمن خطة "فك الارتباط" الاحادية والمعروفة عربياً بأسم قانون الانسحاب، فما عدا مما بدا؟
فلو تتبعنا الحالة السياسية لقطاع غزة لاكثر من قرن، بعد ان كانت جزءاً من الامبراطورية العثمانية الى عام 1918، حيث بدأ الاحتلال البريطاني الى عام 1948، لترضخ للسيطرة المصرية الى عام 1967 وخروجها بعد الحرب لتكون تابعة لهيمنة "اسرائيل" الى عام 1993 حيث منحت "اسرائيل" حكماً ذاتياً محدوداً للسلطة الفلسطينية، على غزة بموجب اتفاقيات اوسلو، كل ذلك يعكس الحالة العادية التي تعيشها هذه المنطقة، ولكن بعد اتفاق مكة وتجدد الاشتباكات بين مسلحي حركة فتح وحماس، الذي انتهى بسيطرة حماس على قطاع غزةفيما عرف بأسم الحسم العسكري ليتحول الانقسام الجغرافي الى انقسام سيطرة سياسية كاملة في الرابع عشر من يونيو / حزيران 2007، والنقطة الفارقة هي فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006
"اي بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي عام 2005 بأمر من شارون" وتولية حركة حماس السيطرة الادارية على قطاع غزة.
إذن هنالك في البين خطر على الغرب حتى يلجأ ترامب الى سياسة الصدمة والرعب، قراره بطرد مليونين ونصف مليون لتصبح غزة ملكية اميركية، بتسوية الارض واعادة بنائها حسب مذاق ترامب.
هذا الطرح الذي ظاهره ساخر وساذج ولاقى معارضة حتى من اعضاء مجلس النواب الاميركي، فقد قالت "ميلاني ستانسبري"؛ ان تصريحات ترامب غير اخلاقية وتخالف القوانين الدولية، وقالت العضوة الاخرى في مجلس النواب الاميركي "ياسمين انصاري" شعرت بالرعب من تعليقاته ومن رؤيته ويجب على الادارة الاميركية ان تعيد النظر في هذه الرؤية غير السديدة، كما علق السيناتور الديمقراطي "بيرتي ساندرز" على منصات التواصل؛ "من المستحيل ان نفهم ما الذي يتحدث عنه ترامب في غزة فهناك اكثر من 45 الف قتيل واكثر من مائة الف مصاب معظمهم من الاطفال ...".
فأياً ما تكون نوايا ترامب من تحويل ساحل غزة الى ريفييرا جديدة بوجود قوات اميركية، وستراتيجيته لتصفية القضية الفلسطينية ينبغي ان لا نعول على هذه الاطروحات ولا حتى ردود الفعل المخالفة، بعد ان شاهدنا الرفض الاردني والمصري لتوطين اهالي غزة وما قامت به مصر من استعراض لقواتها وصعود فتيل القومية العربية حتى من امراء الخليج الفارسي.
نريد من كل ذلك أن نخلص الى قول واحد وهو ترحيل وتهجير حالة المقاومة التي ألهبت شعب غزة بعد أن تولت حركة حماس ادارتها الثورية، وبرهنت من خلال صمودها ومقاومتها انها وسائر الحركات الاسلامية المقاومة من سكان فلسطين الوطن شوكة بأعين الغزاة وباعة الاوطان، وهذا هو السر الذي يحاول ترامب ايصاله للحكومات العربية كافة، وهم ادركوا مقولته ولكن كيف يترجموا خذلانهم وهوانهم للشعوب، فلا يبقى إلا حل واحد يريدون ان يجتمعوا عليه وهو انهاء حركةحماس حالياً في غزة والضفة الغربية؛ ونقل النسخة هذه لمناطق اخرى وتطبيقها على حركات اسلامية اخرى تتبنى المقاومة نهجاً. وهذا ما لفت الانظار بوصول المبعوثة الاميركية الى لبنان "مورغان اورتاغوس" لمقابلة الرئيس "جوزيف عون" ومصافحته وفي احدى اصابع يدها خاتم نجمة داود، وتقول في مؤتمرها الصحفي في مقر الرئاسة ممتنة لـ"اسرائيل" لانها هزمت حزب الله ومن ثم اصدار أمر عدم جواز مشاركة الحزب في الحكومة الجديدة.
فالشعوب هي هي لا تترك البقاع عليها اي اثر وانما اذا تحولت متبنياتها ورؤاها والهدف من الحياة، فمن كانوا في مكة مع رسول الله "ص" هاجروا الى المدينة بعد ان كان اسمها يثرب، والاطلاق القرآني على مكة بأنها قرية والفارق بين القرية والمدينة في الحالة التي يعيشها القاطنون فيها، إذ التعصب ولزوم العادات الجاهلية يجعل من محل سكناهم قرية اما الحالة الجهادية والبصيرة والوعي يجعلها تستحق ان يطلق عليها مدينة وهو ما اشار اليه القرآن الكريم في سورة المنافقون الاية 8 :"يقولون لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل ..."أي محاولة الكفرة بالتوافق مع المنافقين إخراج المؤمنين من ديارهم بسبب حالتهم الجهادية، وانما القوم هم انفسهم كانوا قبلاً لم يهموا لاخراجهم. كما وحاربوهم اقتصادياً بقولهم "هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا" وهذا بالضبط ما يحاول ترامب التركيز عليه حين يؤشر للمساعدات التي يغدقها على مصر والاردن، ولكن خسأ ترامب ما دام الايمان رسخ في نفوس المجاهدين.