البحر الافتراضي لا لؤلو فيه
يسعى عدو شعب ايران المعروف الى قلب استقلال وقدرة ايران لموضوع واهم اي تحسين الحالة المعاشية عن طريق بيع الاستقلال، والارتباط من مكانتها الرفيعة الحاصلة جراء جهاد الشعب الايراني.
ففي سوء نية وطمع هذا العدو يكفي ان نشهد هذه الايام مساعيه لتفريق شعب يملك ارضاً – غزة – الى نواح اخرى ليعيش عدة لا اساس لهم – "اسرائيل" – في رغد، وكي لا يربك رقدة الغاصبين صيحات استنقاذ شعب مظلوم! فهذا العدو قد زود خلال 16 شهراً من حرب غزة – حسب اقرار وسائل الاعلام – اكثر من 120 الف طن من السلاح، الجانب المعتدي ليدمر شعباً ومصادره، هذا العدو هو نفسه الذي فرض عقوبات على الجنائية الدولية لاصداره قرار اعتقال قادة "اسرائيل" المجرمين لقتلهم النساء والاطفال! هذا العدو في الوقت الذي خلال الاسبوع والاسبوعين الاخيرين قد أعلن ان قضيته مع ايران ليس في عدم توصل الجمهورية الاسلامية الايرانية لصنع قنبلة نووية، فبمجرد ان تحدث البعض في الداخل الايراني عن التفاوض، نشر مذكرة تنفيذية طلب من ايران خلالها التخلي عن برنامجها النووي وايقاف تصنيع الصواريخ والكف عن دعم الحكومات وفصائل المقاومة التي تواجه اعتداءات الكيان الصهيوني، وفي مجال حقوق الانسان – والمقصود حريةعمل المتمردين المسلحين وغير المسلحين – القبول بتغييرات سياسية على النمط الغربي.
فمن وجهة نظر اميركا على ايران ان تقبل بالاملاءات كما في الاعوام 1953 – 1978، لا ان تحدد لنفسها برنامج عملها. حسناً فما هو برنامج اميركا الذي تريده لايران؟ بالطبع نفس الاملاءات السابقة او ما تمليه اليوم على دول في العالم. ففي طهران ينبغي ان تأتي حكومة اذا ارادت اميركا ان تدخل معاهدات لا تنسجم ومصالح ايران الوطنية عليها ان تقبل. وان تقبل تدخل اميركا في – انتخاب رئيس الجمهورية، والوزراء واعضاء المجلس والمحافظين وفي كيفية ادارة الاماكن العسكرية والمالية والصناعية - . وان تتخلى الحكومة الايرانية عن اي قدرة عسكرية بشكل كامل – قبل ايام صرح مسؤول امريكي انه لا ينبغي ان تزداد مديات الصواريخ الايرانية عن 300 كم - . ولا تدخل ايران في اتفاقيات اقليمية تحولها الى قوة في المنطقة، ولا ان تجعل من بعض الدول في اطار محوري ولا تتحول الى لاعب مستقل ند للاعب الاميركي وحلفائها – "اسرائيل" و... - . وان تقبل ايران ان لا وجود لشيء اسمه الثقافة القومية والانتخاب الوطني، فالموجود هو الثقافة العالمية والانتخاب الدولي. ففي هذه الثقافة يمنع انتقاد اجراءات "اسرائيل" الاجرامية ويحظر كراهية اليهود، فيما يسمح لحرق القرآن الكريم ونشر كاريكاتور مهين للرسول "ص" في الاعلام الرسمي، اذ هو من مصاديق حرية التعبير عن الرأي، وعشرات الامثلة على ذلك.
مع هذا يأتي البعض ليقول انه كي يتحسن وضعكم لابد من الجلوس على طاولة واحدة مع حكومة بهذه المواصفات، لتصلوا الى اتفاق! وهنا لا يحصل اي اتفاق حقيقي، اذ في مثل هكذا اجواء كيف نتوقع تحسن اقتصاد ايران مع الانخراط في هكذا نظم؟ فحين اعطينا قبل عشر سنوات عدة امتيازات ولم نترك اثراً حتى على ادبيات اميركا، كيف نتوقع ان نصل في اتفاق مع هكذا بلد وهكذا شخص سجله واضح لنا، ونأمل ان تحل مشاكلنا؟
والحقيقة تكمن في ان طريق الحل ليس بيد عدونا، كما ان طريق حل اي شعب ليس بيد عدوه، وانما هو في الداخل، ولا يعني ان لا نخوض المجال الدولي وليس ان نقوم نحن بالانتاج ونكون نحن المستهلكون.
فالاقتصاد الايراني يعتمد التبادل التجاري، على الاقل خلال السبعين عاماً الماضية كأن الحال هكذا، والى مائة عام قادمة كذلك، ولا تتناسب التجارة مع حصور الافق على الداخل، من هنا فلا نعني بأن حل المشاكل يعتمد على الداخل وانما يكون القرار في الداخل لا ان ندخل العدو في اتخاذ القرار وبالتالي نسلم لقرار العدو. وعلى ذلك فأن سماحة قائد الثورة حين التقى الجمعة الماضية كوادر القوة الجوية، قال: "ان ما يحل المشاكل هوالعامل الداخلي اي عزم المسؤولين ومواكبة الشعب المتحد".
وحسب التجارب التاريخية للايرانيين لاسيما بالالتفات الى امور وقعت خلال 200 عام الاخيرة، فقد كان للمسؤولين والشعب الدور الاساس في كيفية عبور المنعطفات الحساسة. فمن بين القامات التي تصدرت الادارة في ايران لثلاث سنوات كان "الميرزا محمدتقي خان امير كبير"، اذ كانت الامور خلال الفترة القاجارية خاضعة لهيمنة الروس والبريطانيين. ولكن على الرغم من تدخل الاجانب وخذلان الداخل تمكن "امير كبير" من ايجاد تغييرات اساسية على الصعيدين الداخلي والخارجي لايران. وكذلك كان "ابراهيم رئيسي" الذي تمكن في فترة اقل من ثلاث سنوات، فما كانت مجريات الامور من قبله محكومة حتى في حل مشاكل الماء في البلاد لتدخل اميركا واوروبا. ولكن حكومة رئيسي تمكنت من ايصال النمو رغم العقوبات الى 4% وتهيئة مقدمات حل الكثير من المشاكل الداخلية. فحكومتا امير كبير ورئيسي التي تفصلهما 173 عاماً، ولاجل البرهنة على ان حل مشاكل ايران يكون داخلياً، يكفي ان قالا ان اهم دليل لامكان وقوع شيء ان نقع فيه.
لربما يقال انه في العلاقات الخارجية والمناسبات الدولية لا معنى للثقة بالجهة الاخرى، فحين تحصل حرب بين بلدين، ولاجل انهاء الحرب يحتكم الى طاولة التفاوض، وبالاتفاق ينتهي كل شيء، مع انهما لا يثقان ببعضهما البعض، ولذا ما المانع من ان ايران مع عدم ثقتها باميركا تدخل معها في تفاوض؟
فان تمكنّا من تحقيق اهدافنا فقد بلغنا المراد واذا لم نتمكن فليس هذا ان السبل قد تقطعت، فيتم انهاء الاتفاق ونعود الى الوضع السابق. فأصل التفاوض هو امر عقلائي وليس فيه خلاف للمتبنيات الدينية فلماذا نرفضه؟
والحقيقة هي ان المفاوضات بين بلدين حين تحصل خلال وضعيتين عامتين؛ وضعية اجبارية اي لا مناص في حل وفصل موضوع الا التفاوض، اي المفاوضات لانهاء حرب او التفاوض لحل مواضيع عالقة عن حرب، فهي مصداق لـ"مفاوضات اتفاق اجباري". وهنالك وضع يعتبر اختيارياً. اي بالامكان دخول مفاوضات وبالامكان عدم دخول المفاوضات. ففي هذه الحالة نرى لاي شيء نريد ان ندخل المفاوضات. اي ان الموضوع في التفاوض مشخص، وان ترى هل ان الجهة التي تدخل معها التفاوض، سيدخل حسب النهج الذي هو يريده ام حسب النهج الذي انت تريد ام حسب النهج المشترك. وحين ندخل هكذا ساحة تعامل ينبغي ان تكون الاجابة على هكذا اسئلة واضحة. فان توصلت الى نتائج ايجابية فبالامكان دخول ساحة التفاوض اذ تحتمل ان تصل لنتيجة مناسبة. ولكن اذا احتملت النتائج سلبية فلا يمكنك ان تدخل المفاوضات.
ان لدونالد ترامب عند الشعب الايراني لاسيما في مجال المفاوضات، ماضي واضح وليست رؤيته لايران بالمجهولة. فهو ترامب نفسه الذي نقض الاتفاق في السابع من مايس 2019 مع ايران، بالرغم من المخالفة الاممية ومخالفة الدول الاوروبية وغالبية الحكومات والاجهزة الحكومية الاميركية، وبعد عشرين شهراً تسبب في استشهاد قائد محاربة الارهاب الشهيد قاسم سليماني بقصف صاروخي وجه لمطار مدني في دولة اخرى – العراق - . وهو ترامب نفسه الذي خرج من معاهدات دولية.
لربما يقول البعض ان ترامب هذا يختلف عن ترامب السابق فالزمان تغير، ان خطة عمل ترامب قد اجابت على هذا الموضوع. فهو قد اماط اللثام عن سياسته المستقبلية تجاه ايران، خلال الاسبوع الماضي. فقد اصدر مذكرة تنفيذية هي الاشد من الامر التنفيذي لرئيس جمهورية؛ اذ على العكس من الامر التنفيذي فان المذكرة التنفيذية لرئيس الجمهورية لا تحتاج الى موافقة الكونغرس ولا تفتقر لامضاء مصادقة الكونغرس او اي اصل من اصول الدستور ولا تحتاج حتى الى التسجيل.
فقبل اسبوع ابلغت مذكرة رئيس الجمهورية عدة وزارات اميركية للتنفيذ. اذ ان رئيس الجمهورية الاميركية في هذه المذكرة وهي في الحقيقة اعادة ما امضاه وزير خارجية ترامب في دورته الاولى "مايك بومبيو" في 22 مايس من عام 2019، اذ حدد في مذكرة ذات 12 مادة جميع الرؤى ومطالب اميركا حول ايران، وفي الواقع جميع المواضيع القابلة للتفاوض من وجهة نظر واشنطن وفي نفس الوقت لم تتم الاشارة الى انه في حال التزام الجهمورية الاسلامية بهذه الفقرات ما الذي سيصب في صالح الشعب الايراني! من هنا من الواضح انه في النظام السياسي لواشنطن لا وجود لاي استشعار بالمعنى الحقيقي اثر الاتفاق مع ايران.
هذا هو ترامب الذي يقول انه على ايران ان تتراجع دون ان تحصل على اي مكسب.
تأسيساً على ذلك بات واضحاً انه اذا دخلنا في مفاوضات – سذاجة أو خطأ أو تأثراً – مع اميركا حسب ما تنتهجه هي، سوف لا نصل الى اي من مطالبنا والتي تشمل؛ الغاء العقوبات الظالمة الاحادية الجانب، وعدم تدخل اميركا في شؤون ايران الداخلية، وعدم اخلال اميركا بعلاقات ايران الخارجية مع دول الجوار، وعدم تدخل اميركا في الاتفاقيات المالية الايرانية مع الدول الاجنبية، وحتى لا نصل الى مطالب اقل من ذلك كفك القيود عن ارصدتنا المجمدة في اميركا، أو اصدار تصريح بإطلاق ارصدة ايران في بنوك قطر، وذلك لانه لا يتم الجلوس الى طاولة يقول فيها الجانبان ما يريدانه من الجهة الثانية، اذ لا تنعقد الطاولة الا لامر واحد وهو فهرسة ادعاءات اذا رضخت لها ايران بأمل الانفراج فهي ستدخل في دائرة لا نهاية لها في تقديم التنازلات.
وقد أوضح كتاب الله ذلك في سورة الحجر الآيات 88 – 90 "لا تمدنّ عينيك الى ما متعنا به ازواجاً منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين* وقل إني انا النذير المبين* كما انزلنا على المقتسمين".
سعدالله زارعي