الثورة ماضية بهديرها بالرغم من ....
تقف الثورةالاسلامية الايرانية شامخة في عامها الـ46، ومازال الغرب في مواجهته لهذه الثورة والنظام المنبثق منها، يستخدم اصطلاح "العودة"، ومازال رئيس جمهورية اميركا – دونالد ترامب – وبعد مضي 12 دورة انتخاب لرئاسة اميركا، يقول "ان ايران مشكلة قائمة وخطيرة"، ومازال رؤساء الاتحاد الاوروبي يعتبرون ايران بأنها "تهديد أمني قريب"،فيما تصف مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي خلال لقاء دبلوماسي ايراني رفيع "نحن – اوروبا واميركا – لا نطيق سياستكم الخارجية" و"ان علاقاتكم الخارجية قد رجحت كفة حرب اوكرانيا لغير صالحنا".
ان من الواضح ان الثورة الايرانية لم تتغير بعد 46 عاماً وهي ماضية في مسيرتها، ولنقارن وضع الثورات الفرنسية والروسية بعد 46 عاماً مع حال الثورة الاسلامية، لتتضح قيمة صمود الشعب والنظام.
فالثورة الفرنسية من حيث تأثيرها على دول أخرى سميت "بالثورة الكبرى"، التي انتصرت في عام 1789 تغير وضعها في عام 1835، فالكثير من المحققين اعتبر صعود نابليون لسدة الحكم عام 1804 بخاتمة الثورة الفرنسية، فيما قال البعض ان نهاية الثورة كانت عام 1795 أو 1799. وعموماً فان نهاية الثورة الفرنسية كان بعد 15 عاماً من انتصارها، والمعروف ان "الديمقراطية" اهم مخرجات الثورة الفرنسية، بينما يرى "توكويل" وهو مفكر عاصر الثورة انه رغم كل المساعي لاحداث ثورة لم تكن النتيجة الديمقراطية. تأسيساً على ذلك فهو يقول: "ان الثورة الفرنسية انتهت في نفس العام الذي ولدت فيه اي عام 1789". فقد مرت فرنسا في زمن نابليون بمرحلة دموية من 1799 – 1815، مما اذهبت كل جهود الثورة هباءً – اي مواجهة دكتاتورية النظام السياسي في الداخل والتطاول على الدول الاخرى – ثم عادت فرنسا بعد مرحلة نابليون الى عهد الملكية بشكل رسمي، فحكم لوئيد الثامن عشر لاكثر من عشر سنوات كملك لفرنسا ومن بعد شارل العاشر الى عام 1830 وبعده لوئيد فيليب لـ18 عاماً، في الوقت الذي كان شعار الثورة ايجاد حكومة جمهورية ديمقراطية.
اما بالنسبة لثورة اكتوبر الروسية التي انتصرت في عام 1917، ومجيء "جوزيف ستالين" عام 1923 وتخطيه لمبادئ الثورة اليسارية العمالية، فكانت نهاية للثورة، فحكم ستالين الى عام 1953 واطلق على الدولة الاتحاد السوفيتي! ففي خلال حكمه دفع بملايين العمال الى معسكرات العمل قسراً ليقضي غالبيتهم آجالهم هناك اثناء العمل. فلا داعي لنستفسر ما كان حال الثورة الروسية بعد 46 عاماً اي في عام 1963، ففي حينها تسنم غروشوف ادارة البلاد وهو عاجز ذهنياً وجسمياً.
فالثورة المناهضة للامبريالية تحولت مع موت اول زعيم لها عام 1923 الى دولة امبريالية بامتياز اذ تابعت الفاشية في الداخل والعدوان على مصالح الشعوب في الخارج، وتحولت هذه الثورات الى احتفالية رسمية واستعراض عسكري.
من هنا فان الثورة الاسلامية من حيث الوفاء لمبادئها الاولية وتمتعها بدعم انصارها الصميمي، تمثل استثناءً. فالمسيرات المليونية بذكرى انتصار الثورة بمثابة تجديد لاهداف ومبادئ الثورة، ولسان حال هذه المسيرات – في القرى والمدن والعاصمة طهران - : بالرغم من بعض حالات القصور التي سببها غالباً الجهاز التنفيذي، الا ان الثورة قد حفظت وجهتها الموضوعية. فهذه المسيرات تعزز فلسفة نشوء الثورة وصوابية اهدافها، مما يحصن الثورة من التقهقر والانحراف عن مسيرتها، وتحول دون ولادة سلوكيات داخلية خاطئة – الاستبداد – وخارجية بعنوان – التبعية – في لبوس الجمهورية الاسلامية.
ان الاخطاء التي وقعت في الثورات الفرنسية والروسية هي حصيلة انعدام مظلة وطنية تشرف على الثورة. وبالطبع على عكس الثورات المشار اليها والتي بدأ الانحراف فيها من الزعامة، نشهد في الثورة الايرانية تأكيد القيادة على ديمومة الثورة وعدم الحؤول عن مبادئها. وينبغي ان نقر ان ما هو اهم من دور تحذيرات قادة الثورة هو الحضور المباشر والملحمي للشعب في الساحة للدفاع عن مبادئ الثورة.
الامر الاخر المستحق للتناول في ذكرى انتصار الثورة الاسلامية، هو ان العدو بالرغم من اطلاقه على ايران "العدو القريب" و"القلق المستمر"، فهو في نفس الوقت يدعي ان الجمهورية الاسلامية قد ضعفت بينما نجد ان اساسين تربعت الثورة الاسلامية حين انشائها عليها، حفظت وجهتها الموضوعية في الداخل لدى الشعب الايراني وفي المنطقة وعلى المستوى الدولي، ففي الداخل مازلنا بحاجة لمراقبة جماعية كي لا تبرز حالة دكتاتورية في اطار الجمهورية الاسلامية.
فخلال الـ25 عاماً الماضية شهدنا حالتين في عام 1999 وعام 2009، من خلال سعي البعض لاعادة الدكتاتورية، ولولا الحضور الفاعل للشعب في الساحة لابتليت الثورة في ايران بحالات من الدكتاتورية امثال نابليون وستالين.
من جانب آخر مازالت المساعي لعناصر داخلية لارجاع ايران تحت سلطة الغرب المطلقة. فاصداء تسعينيات القرن الماضي – كأمثال "سعيدي سيرجاني" "وعطاء الله مهاجراني" – تحولت ترجيعاتها اليوم تياراً في البلد. ونحن بحاجة اليوم ما يناسب لاقوى مما نهر به سماحة الامام الخميني "قدس سره" خلال رده لرسالة المرحوم "علي اكبر محتشمي بور" بخصوص تولية مناصب لاعضاء من "نهضت ازادي" (حركة الحرية).
ومساعي تيار "القوس قزح" لالحاق ايران للمعاهدات العسكرية الغربية واذابة ايران في المطابخ السياسية لنظام الغرب الاستكباري، من هنا فان الدفاع الجاد لفئات الشعب عن النظام مازال له وجهته الموضوعية بل وبشكل مضاعف.
إن الثورة الاسلامية بما ضخته من طاقة مضاعفة في مقولة "الجمهورية الاسلامية" اكسبته قدرات خاصة لحل المشاكل بسرعة. وقد نشاهد آثار هذه الطاقة المضاعفة على سبيل المثال في قطاع الصحة؛ لتحويل ايران الى محور علاجي دولي. أو في مجال الاتصالات والالكترونيات لتبدل ايران الى قطب هام اقليمياً في قطاع الاتصالات. وفي مجال التقنية والعلوم احتلت ايران مكانة جيدة جداً. وكذلك قطاع القدرات الدفاعية لتتحول ايران الى قدرة لا منازع لها اقليمياً.
الا ان هذه الثورة ولاجل رفع جانب من مشاكلها ومنها في مجال الحالة المعاشية، تتعرض لضغوط شديدة، فخلال هذه الفترة شغر البعض مكانة حساسة فربطوا الحالة المعاشية للناس بتغيير مسار الثورة، مما اضاعوا فرص التغيير لحل المشاكل، فهؤلاء في الوقت الذي يدعون انه من دون التنسيق مع الخارج لا يمكن فك اي عقدة، بينما يعلمون جيداً ان ما يتعلق بشؤون ايران والغرب لا تقبل الحل بسبب اطماع الغرب وعدم وفائه للعهود. وتأسيساً على ذلك يمكن القول بصراحة والتأكيد على ان مشاكل الناس الحياتية، والتي يحاول البعض ربطها زوراً بثورة الشعب ومبادئه، هي مخرجات الفكر الخاطئ والتقاعس في تحمل المسؤوليات من قبل اشخاص توصلوا الى مناصب بالخديعة، دون ان يعتقدوا اصلاً بحل شؤون الناس المعيشية.
فلو جعلنا الشعب قاعدة "الجمهورية" سعى البعض لاعادة مجرى الماء لساقية الغرب بنهج ستاليني أو نابليوني.
وبالطبع هذا غير قابل للتطبيق، وهو ما تم السعي له منذ أول حكومة في عام 1979 واول رئيس للجمهورية، وخلال الـ46 عاماً تكررت حالات باختلاف في الشدة ولكنها اصطدمت بصخرة قيادة سماحة الامام الخميني "رحمه الله" وقيادة سماحة الامام الخامنئي "دامت بركاته" والحضور الميداني الفاعل للشعب.
سعدالله زارعي