الإرهاب التكفيري: آخر الأوراق اللاأخلاقية في ترسانة مشروع الهيمنة
عقيل الشيخ حسين
الجرائم التي تقترفها "داعش” وغيرها من التنظيمات الإرهابية والتكفيرية هي نفسها ما عجز عن اقترافها الأميركيون وحلفاؤهم بعد ما حل بهم من هزائم عسكرية في المنطقة خلال السنوات الأخيرة. دليل إضافي على ضرورة الوحدة في الحرب الدفاعية التي ينبغي أن تخوضها شعوب المنطقة ضد العدوان بكل صوره وأدواته.
مدينة تدمر السورية التي احتلتها جحافل "داعش” مؤخراً جميع سكانها هم من أهل السنة والجماعة. ومع هذا، كان الذبح مصير المئات منهم لا لشيء إلا لأن فكرهم الديني لا يتطابق بشكل كامل مع الفكر الـ”داعشي”. وهذا مجرد مثال بين الكثير من الأمثلة الأخرى التي جسدت جرائم "داعش” وغيرها من الجماعات الإرهابية التكفيرية بحق أهل السنة في العراق وسوريا والعديد من بلدان العالم العربي والإسلامي.
ما يجرى ليس أذن فتنة طائفية وإن كان هنالك مساعي حثيثة لدفع الأمور في هذا الاتجاه. وحتى لو نجحت تلك المساعي أحياناً في دفع الأمور في هذا الاتجاه.
إنه بالأحرى شكل جديد من أشكال الحروب التي تشنها قوى الهيمنة على شعوب المنطقة. وهذا الشكل فرضه السعي إلى تجنب المزيد من الهزائم العسكرية بعد تلك التي منيت بها تلك القوى في السنوات الأخيرة، لا سيما في لبنان وغزة.
الميزة الأساس لهذه الحروب أن قوى الهيمنة تلجأ فيها، على طريقة الشركات الأمنية أو الفيالق الأجنبية، إلى تجنيد عناصر بشرية وتقدم لها الدعم اللازم لتقوم بالدور الذي تقوم به عادة صواريخ الكروز وطائرات الـ”ب-52” والأسلحة المحرمة دولياً، ومنها السلاح النووي الذي أعلنت "داعش” عن قرب استيرادها له من باكستان، دون أن تتحمل أية مسؤولية أخلاقية أمام شعوبها وشعوب العالم عن الطبيعة الإجرامية لهذه الحروب.
وإلى جانب إعمال القتل، والقتل الشنيع، والمجازر الجماعية التي تصبح معها هذه الحروب أقرب إلى حروب الإبادة، تحقق هذه الحروب أهدافاً أخرى كإشاعة الكراهية وهوس الانتقام بين مكونات الأمة الواحدة، وتقديم صورة بشعة عن معتقدات الشعوب المستهدفة، أي عن الإسلام الذي تقترف باسمه جرائم الجماعات الإرهابية والتكفيرية. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو عن كيفية نجاح قوى الهيمنة في تحويل هذه الجيوش من الإرهابيين التكفيريين إلى كائنات هي أقرب إلى الوحوش منها إلى بني البشر: الذبح والتهام الأكباد والقلوب ورمي الناس من شاهق وقتل الأطفال والنساء والشيوخ بدم بارد والتمثيل بجثث القتلى وما إلى ذلك من ممارسات تنكرها الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية على حدٍّ سواء.
وبالطبع، تحتاج الإجابة على هذا السؤال إلى جهود كبرى تبذل من قبل علماء الدين والاجتماع والفلاسفة والمؤرخين ودارسي النفس البشرية. لكن، وقبل أية دراسة معمقة، هناك عناصر متناثرة تسمح بتقديم تفسيرات أولية لذلك السلوك الإجرامي.
هناك مثلاً مرجعيات إلى بعض النقاط السوداء في ما يتم إسقاطه من تفسيرات على النصوص الإسلامية وفي العديد من المحطات الكالحة في التاريخ الذي صنعته للإسلام إمبراطوريات "الملك العضوض”.
وهناك الإحباط والحقد اللذان ينشآن عند كثيرين بفعل استشراء ثقافة الاستهلاك وعدم القدرة على الاستهلاك عند حشود عريضة من الشباب العاطل عن العمل والمسدودة أمامه آفاق العيش والذي لا يتورع عن بيع نفسه بأبخس الأثمان على أمل تحقيق الذات والإحساس بالوجود.
العرض المرضي
وهناك العرض المرضي الذي نشأ عن هزائم العرب أمام العدو الصهيوني ووطد دعائم ثقافة الهزيمة ثم تفاقم، بدلاً من أن يتلاشى، عندما أثبتت المقاومة - رغم محدودية إمكاناتها البشرية - قدرتها على تحقيق النصر المفقود، وعندما أثبتت إيران - المحاصرة والمستهدفة بأعتى الحروب - قدرتها على الارتقاء اقتصادياً وثقافياً وعلمياً وسياسياً إلى مصاف القوى الكبرى. وكل ذلك في وقت تنصرف فيه الأنظمة العربية الفاحشة الثراء إلى الإنفاق الواسع على كل ما يندى له الجبين بكل مقاييس الاجتماع والسياسة. ذلك العارض هو تحديداً سليل الحسد الذي انتاب إبليس إزاء الكرامة التي منَّ بها الله على آدم عند بدء الخليقة.
"داعش” تقتل المئاتم ن أهل السنة في تدمر وأضعاف هذا العدد في مناطق أخرى من سوريا والعراق
وهناك أيضاً عملية تصنيع القتلة من قبل دوائر الاستكبار. فلقد بات من المعلوم أن رجالاً آليين ونساءً آليات يصنعون ويصنعن من المعدن أو البلاستيك ويتم استخدامهم أو استخدامهن في شتى الأغراض. لكن كثيراً من الناس لا يعلمون أن رجالاً ونساء كثيرين من لحم ودم يعاد تشكيلهم عن طريق تقنية التشريط، ومن قبل خبراء نفسيين، ليتحولوا إلى آلات حقيقية تستخدم في شتى الأغراض. والوقائع أن الأغراض التي تسعى إلى تحقيقها الدوائر الاستكبارية لا يمكن إلا أن تكون من النوع الخبيث، وأن الآلاف من نزلاء معتقل غوانتانمو قد أعيد تشكيلهم وجرى إرسالهم إلى المنطقة على شكل جيوش لهذا النوع الجديد من الحروب التي تشنها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والأدوات العربية. لكن، ومهما تنوعت الأشكال والأساليب، فإنها لن تتمكن من قلب المعادلة الحتمية: انتهى زمن الهزائم وبدأ زمن الانتصارات.