نصر الله وثقافة النصر
أمين أبوراشد
كان المُلفت بإطلالة سماحة السيد حسن نصرالله عشية عيد المقاومة والتحرير، أن بدأ كلمته بمخاطبة من كانوا يافعين من شباب لبنان عندما تحقَّق النصر المُبين عام 2000، ومخاطبة من ولدوا بعد ذلك العام، وما ورد في كلام السيد لهذه الأجيال الصاعدة الواعدة، له وقعُه لديهم سيما وأنهم ربما لا يمتلكون تفاصيل انتصاري أيار 2000 وتموز 2006، أو ربما يكون بعضهم غير مبالٍ لأنه ولِد أصلاً على أرضٍ محرَّرة عزيزة كريمة، وكلام السيد مع الشباب هو حتماً أجدى من الكلام مع بعض مخضرمي السياسة في لبنان خاصة من امتهنوا الطعن في ظهر المقاومة منذ التحرير، مروراً بانتصار تموز ووصولاً الى النصر الثالث بإذن الله في جرود القلمون.
والتصنيف الذي اعتمده السيد لمواقف اللبنانيين من المقاومة قبل وأثناء وبعد التحرير، لم يعُد هو نفسه بعد التحرير لدى الشرفاء من مختلف مناطق لبنان، لكن يحلو لنا التوقُّف عند إثنتين من الفئات التي عدَّدها قائد المقاومة:
الأولى، هي مثال ذلك العجوز اللبناني الذي هرول خلال اجتياح العدو للجنوب عام 82، ووقف بمواجهة جرافة إسرائيلية تقتلع أشجار بستانه المحاذي للطريق العام، فاقترب منه ضابط صهيوني محاولاً إبعاده، فسأله المواطن: هذه الطريق أمامكم لماذا تقتلعون بستاني؟ فأجابه الضابط: لأننا نخشى أن يختبىء المسلَّحون بين أشجاره، فردَّ المواطن قائلاً: يعني أنتم جبناء، فقال الضابط الصهيوني: بل أن دماء "جيش الدفاع” غالية عندنا.
هذا مثالٌ عن فئة المواطنين الشرفاء الذين جاء على ذكرهم سماحة السيد، والذين قرروا مواجهة العدوان منذ بداياته، والفئة الثانية نختصرها بواقعة مواطن في إحدى القرى التي وصل إليها الإحتلال، وأقام ذلك المواطن علاقة مع عناصر أحد الحواجز، وقرَّر يوماً ممارسة تجارة السجائر وحَمَّل في سيارته ما استطاع وقصد الحاجز لبيعها، فأخذ الجنود ما طاب لهم من بضاعته ورفضوا دفع ثمنها بحجَّة أن "جيش الدفاع” جاء الى لبنان لحمايتكم!!!
وإننا إذ لا نرغب استذكار شهر أيار سوى بأمجاده المتمثِّلة بنصر التحرير، نأسف لمن سوَّلت لهم أنفسهم وساروا يوماً باتفاق السابع عشر من أيار، ونأسف أيضاً لمن ظنُّوا أنهم في السابع من أيار كان بإمكانهم إستدراجح المقاومة وإشغالها في صراعات داخلية لم تكن يوماً في حساباتها، لأن سلاحها يعرف بوصلته جيداً ولم يكن يوماً مسدَّداً سوى الى حيث العدو، لكن المشكلة أن بعض جماعة 17 أيار وبعض جماعة السابع منه هم من الفئات التي ذكرها السيِّد وشرَّح مواقفها من الإحتلال الإسرائيلي ومن الفِعل المُقاوِم، لأنها للأسف لم تتغيَّر لا بعد النصر الأول ولا الثاني، وها هي تقوم بالتشويش على النصر الثالث الذي يصنعه رجال المقاومة في أعالي قمم القلمون اللبنانية، التي هي ضمن ال- 10452 كلم مربع كما هو الحال بالنسبة لشبعا وكفرشوبا والغجر بجزئها اللبناني.
شكراً لسماحة السيد أنه سمَّى الأشياء بأسمائها في إطلالته، وأن قرار المقاومة واحدٌ وخيارها واحد في هذه المواجهة التاريخية بجرود القلمون، وقَطَع الطريق على مَن يُريدون أن تكون بلدة عرسال "قميص عثمان” وسط بيئتها البقاعية التي كانت مُتعايشة مع محيطها ولا زالت، دون الحاجة الى غيرة "الغيارى” الجُدد عليها، وطينة أبناء عرسال هي لبنانية نقيَّة وإيمانها بلبنان والكرامة اللبنانية أصلب من "الحجر العرسالي”، ولو أن بعض ضعاف النفوس وهم قلَّة أغرتهم بضعة ملايين من أموال الدعم المشبوه، لكن أبناء عرسال أسوة بأبناء عكار، باتوا على حافة الإختناق من هذا النزوح "المُدجَّج” داخل المخيمات والذي يُنافس المواطن العرسالي وبالقوَّة على لقمة العيش، إضافة الى هذه الأجواء الترهيبية التي تعيشها بعض المناطق تحت سُلطة خلايا وطلائع داعش والنصرة.
ونحن الذين نتلهَّف لإطلالة السيِّد، ونشعر وكأننا بحاجة الى ترياق كرامة من خلاله، نتوقَّع دائماً في اليوم التالي إطلالات بصرف النظر عن حجم أصحابها، تكرِّر "لاءاتها” غير المُجدية على ما يرِد في كلامه، ومعزوفاتها التي لم تعد تنطلي على اللبنانيين، والمقاومة التي تخوض معارك المصير في القلمون وتقدِّم الشهداء، من حقِّها على الأقل أن يتحدَّث السيِّد بأدب خطابه الراقي بإسم أرواح شهدائها ويقول: "اخجلوا”..، لمن يعدُّون ويُحصون عدد من سقط من شباب لبنان والمقاومة على قمم الشرف، ونطمئن هذه الفئة المُراهنة دائماً وأبداً على انتصار العدوّ- أيّ عدوّ- على المقاومة ولبنان، أن سماحة السيد الذي أكَّد عدم الحاجة الى التعبئة العامة في الوقت الحاضر، طلب من الدولة القيام بواجبها وإلَّا، فإن أبناء البقاع وخاصة في بعلبك الهرمل الذين يرفضون المُساكنة والمُجاورة مع الإرهاب، قد يجدون أنفسهم قائلين لقائد المقاومة: الأمر لك يا سيد، وهنا مكمن الإحراج مع رجلٍ ماردٍ شامخ لم يُجيِّر يوماً نصراً لنفسه بل لرجال المقاومة وشهدائها وعوائلهم، أن يجد نفسه في وضعٍ محرِجٍ لو يئِسَ من الموقف الرسمي ويقول: الأمر لي في سحق الإرهاب، وعرسال سأحتضنها لأني حريص عليها ككل بلدة لبنانية أكثر من المتاجرين بحياة أبنائها وأبناء لبنان...