هل باتت الحروب العبثية أقداراً عربية؟
لؤي حسن
لا يوجد عند العرب شيء متماسك منذ بدء الخليقة حتى الآن سوى القهر.
لماذا يصر بعض العرب على ان تكون بلادهم ميدان حرب وفي وقت لا يخفى على أحد أن المنطقة برمتها امام منعطف من التحولات الخطيرة، وحيث على مائدة لعبة الأمم لوحة واحدة كتب عليها الجميع : نعم "للشرق الأوسط الجديد”. ليبقى السؤال المفتوح: اي شرق اوسط ؟!.
مستقبل الشرق الأوسط تحدده تجاذبات ميادين القتال، من سوريا إلى اليمن، ومن مصر إلى افغانستان مروراً بالعراق. ومن هنا نطرح السؤال على اصحاب القرار في المملكة العربية السعودية: ما هي المصلحة في معاداة ايران؟! ولماذا لا تحذو السعودية حذو "حليفتها” أمريكا التي انفتحت عليها؟! وهنا ليس القصد أن تتخلى السعودية عن خصوصياتها أو عن حساباتها، بل أن تتفهم المملكة خلفية تفاهم امريكا مع ايران. فهل فكر أحد في الرياض، فيما سبق، قبل هذا الصخب السياسي.
"الأكروبات النارية”
والحقيقة أنه لو اردنا أن نتعمّق في خلفية التفاهم الأيراني – الأمريكي فهو صادر عن نقطتين: الأولى، اقتناع واشنطن بأنه من غير الممكن بناء حالة من الاستقرار في هذ المنطقة التي تتزاحم فيها المصالح الأمريكية من غير التفاهم مع دولة أقليمية كبرى كايران، وعلى قاعدة علاقات ثنائية طبيعية غير متوترة.
والثانية، اقتناع واشنطن وطهران بأن "الفوضى الخلاقة” لعبة مرشحة لأن تنفلت من عقالها وستحرق الجميع ما لم يجر ضبطها، ولا اقول إيقافها، لأن أمريكا ما زالت مستفيدة منها في أكثر من مكان بقدر أو بآخر.
ولولا ضبطها عراقياً لسيطرت "داعش” على كردستان العراق معقل المصالح الأمريكية النفطية.، وكلنا يذكر انه كان لإيران باع طويل في تسليح وتعزيز دفاعات البشمركه ما مكنها من الصمود والدفاع عن اربيل بل وكل كردستان العراق. هذه المسألة لم ترتقِ في العقل السياسي السعودي إلى المستوى الحيوي؛ بل على العكس ما زالت السعودية وما انفكت تلعب بالنار على طريقة "الأكروبات”. هي ضد "القاعدة” وأخواتها في السعودية ومصر، ومعها في سوريا واليمن والعراق!! وهي ضد "النصرة” (فرع تنظيم القاعدة في سورسا) في بيروت ومعها في القلمون!! لم تدرك السعودية بعد خطورة لعبة "الأكروبات” النارية، حتى بالمصلحة الضيقة، وأعني الأخطار المحدقة باستقرارها وبقاء نطامها، وهذا فيما "داعش” أعلنت صراحةً أن السعودية هدفها التالي.
الأوهام النووية!
لقد ذهبت السعودية إلى المكان الخطأ، عندما تحدثت عن مخاطر القنبلة النووية الإيرانية، بوصفها الخطر المحدق بها، مع أن الاسرائيلية كانت سابقةً لها، وكان عليها بالحد الأدنى أن تتمثل بتجربة هذه الأخيرة. هذا لو سلمنا جدلاً بأن ايران ستذهب إلى تصنيع قنبلة نووية -أقول جدلاً!- إذ بالرغم من امتلاك "اسرائيل” لأنواع من القنابل النووية تصل إلى حوالي 200 قنبلة على ما تسرب، منها الاستراتيجي ومنها التكتيكي، إلا أن هذا لم يحل دون أن تخوض كل من سوريا ومصر معها حرب تشرين/اكتوبر عام 73.
ولم يحل ذلك دون المقاومتين في لبنان وغزة من التجاسر عليها وضرب عمقها ليتشكل بذلك شكل من توازن الردع المتبادل. وهو حالياً الذي يحمي لبنان مياهاً وسيادةً، وغداً حقولاً للغاز والنفط. ترى ألم يتبادر إلى ذهن حكام السعودية السؤال: لماذا لا تعيش تركيا الهاجس ذاته من القنبلة النووية لو حازت عليها ايران على سبيل الافتراض؟! من المؤكد أن تركيا بغنى عن هذا القلق طالما هي تحت المظلة الأمريكية التي تحميها وطالما أن السلاح النووي بات سلاحاً نفسياً في الردع الاستراتيجي اكثر منه سلاحاً للاستخدام.
أليست المظلة التي تحمي تركيا هي ذاتها التي تحمي السعودية ودول الخليج؟ فلماذا هذه الضجة من قبل السعودية حول المفاوضات النووية بين امريكا وايران؟ منها على سبيل المثال ما قاله تركي الفيصل رئيس مخابراتها الاسبق: - "لطالما قلت إنه مهما ستتمخض عنه تلك المفاوضات فإننا سنرغب في المثْل”. والمثْل في المعلن ايرانياً هو في حدود تخصيب يورانيوم للأغراض السلمية، وإذا كان كانت السعودية تشكك في النوايا الإيرانية فإن أمر حيازتها على سلاح نووي كما تعلم هي جيداً يحتاج لموافقة دولتين هما امريكا واسرائيل، ولها في التجربة الباكستانية خير مثال، حيث انتهى أمر ترسانتها النووية –وهي الصديقة لأمريكا- إلى التفكيك إلى أجزاء وصفتها صحيفة "ذي أوبزيرفر” البريطانية -عدد 30/12/2007 - بـ "الخردة غالية الثمن”.
كانت حجة أمريكا و”اسرائيل” في باكستان، الخشية في ان تقع هذه الاسلحة "بايدي منظمات أرهابية” او من وصول جماعات اصولية متطرفة إلى السلطة فيها. ألم يلمح أوباما الى ذلك حين قال لهم إن الخطر عليهم ليس من الخارج بل من الداخل؟ المكتوب يقرأ من عنوانه، ومضمونه هو :”لن نسمح لكم بالاستحواذ على سلاح نووي”.
العيس في البيداء
وبدل أن يشد ما سبق أذهان أصحاب القرار في الرياض إلى مواضيع عملانية من استثمارات مجدية في التنمية البشرية والحداثة، وذلك في بلد لم يستطع أن يبني بعد إنساناً متصالحاً مع العصر، بدل ذلك نراهم يفكرون في إغداق المال على حروب لن تنال منها السعودية فائدةً، وهذا بالمفهوم البراغماتي .
وهنا نلاحظ خبث السياسة التركية التي شجعت الرياض على حملتها العسكرية على اليمن، وعلى دفع المال اللازم لتصعيد العمليات العسكرية ضد سوريا كما لمسنا في الأسابيع الأخيرة. فتريد انقره من السعودية أن تغرق في وحول اليمن إلى أذنيها. ولذا لم تنجدها في حربها اليمنية، تاركةً إياها على قول: (أذهب انت وربك فقاتلا...)؛ وفي سوريا تريدها مجرد ممول ولكن من غير أن تجني اي ارباح في المشروع العسكري الذي تقوده وتخطط له تركيا. وتركيا هناك تعرف ما تريد وحددت أهدافها انسجاماً وتناغماً مع المخطط الأمريكي لتقسيم المنطقة، مراهنةً على ان يكون لها (حصة) في سوريا من خلال الشرق الأوسط الجديد. إذاً (الفوضى الخلاقة) تصدرها تركيا إلى الساحة العربية، فيما (شريكها !) السعودي بات كما يقول الشاعر:
"كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول"
ترى هل بات الغباء والحروب العبثية أقداراً عربية!!!.