“براغماتية” الإدارة الأميركيّة عززتها اتصالات سريّة برعاية أوروبيّة
ميشال نصر
اضافت زيارة وزير الخارجية الاميركية الى بيروت
مزيدا من التعقيدات والالغاز الى المشهد السياسي في المنطقة بشكل عام ولبنان بشكل خاص، خالطة الاوراق ،زارعة الشك عند الحلفاء قبل
الخصوم ،من المختارة الى الرابية ، والريبة من معراب الى بيت الوسط،والقلق من تل ابيب الى
الرياض.عززت كل ذلك تضارب التحليلات وضبابية المواقف الرسمية بانتظار شيئ ما يطبخ بعيدا عن الكواليس.
فالانفتاح الاميركي " الايجابي” على حزب الله ،الذي تفسره مصادر دبلوماسية غربية بانه تعبير عن "براغماتية واقعية”، دأبت
الولايات المتحدة الاميركية على اعتمادها في سياساتها الخارجية،رغم اعتبارها من قبل الحلفاء "تخاذلا”، رغم الجولة التوضيحية للسفير الاميركي، يرتبط
بعاملين اساسيين بحسب المصادر: الاول، المفاوضات الجارية مع إيران حول الملف النووي، والثاني ، وجود اتصالات غير مباشرة مع حزب الله، بواسطة
طرف ثالث اوروبي، اثمر الحلحلة الحكومية عبر الاعتراف بالحزب كقوة سياسية لها ممثلوها ووزراؤها في الحكومات المتعاقبة، مضافا الى ذلك تحوله الى
لاعب اقليمي نتيجة ما راكمه على مر سنوات صراعه المفتوح وحروبه مع إسرائيل ورسخها على أرض الصراع في سوريا باعتباره طرفا مشاركا في القتال ومؤثرا
في مجرياته.
المصادر الدبلوماسية رأت في كلام الوزير الاميركي من بيروت "شرعنة سياسية مشروطة” لدور الحزب المتنامي على الصعيدين الاقليمي او
المحلي، يترتب عليها بالتأكيد مسؤوليات كبيرة عندما يحين زمن التسويات، في اطار سياسة الادارة الاميركية القائمة على التفاوض المباشر مع
كثير من التنظيمات والحركات المصنفة ارهابية، من حماس في غزة مرورا بالاخوان في مصر وحزب الله في لبنان وصولا الى طالبان في افغانستان اخيرا،رغم
اعتراض قوى اقليمية عديدة بدءا من اسرائيل وليس انتهاء بدول خليجية، وتتابع المصادر ان الادارة الاميركية ونتيجة الضغوط الداخلية التي تتعرض لها عشية
الانتخابات التشريعية في تشرين المقبل ، تحاول احتواء الوضع السوري من خلال فصل دمشق عن طهران ، في حرب اضعاف للاخيرة في المفاوضات عبر سحب اوراق قوة
تملكها ، صورة تكتمل معالمها عند وصف الوزير كيري للانتخابات الرئاسية السورية بانها "صفر كبير للغاية” ، ما يعني عمليا وبحسب المصادر
الديبلوماسية الغربية ان كل "الانجازات” التي حققها على الارض لن يكون بالامكان صرفها
او استثمارها في السياسة، ولعل خير معبر عن ذلك كلام السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد، الذي رغم أنه حمل في مضامينه انتقاداتٍ كثيرة
لسياسة بلاده تجاه سوريا، كشف بين سطوره أنّ الوصول الى حلّ سياسي يُجبر النظام وحلفاءه على الإذعان لعملية سياسية توقف الحرب، مرهون هذه المرة
بصدقية الوعود التي أطلقتها الادارة الاميركية وجدّيتها في تعويم المعارضة السورية مجدّداً، بشقّيها السياسي والعسكري،ما يعني عمليا مزيدا من
الخسائر للحزب في القتال الدائر.
وترى المصادر ان ما ينطبق على النظام انما ينطبق ايضا على حزب الله في المعادلة الداخلية اللبنانية، ما دفع بالسيد
نصر الله الى الاعلان صراحة خلال اطلالته الاخيرة عن تمسك الحزب باتفاق الطائف ورفض المثالثة، ملاقاة لتنبيه الوزير الاميركي من خطورة المسّ بثوابت
التركيبة اللبنانية وتوازناتها الكيانية، الامر المرفوض دوليا اقله حتى الساعة، علما ان قيادة الحزب قرأت جيدا الخطوات التي تقوم بها بكركي
والتصريحات الحادة الصادرة عنها هذه الايام منذ اشتعال ملف الانتخابات الرئاسية مرورا بزيارة القدس وصولا الى اللقاء الذي خص به الوزير الاميركي
البطريرك الراعي، اللاعب بحسب مصادر مقربة من الثامن من آذار تحت عباءة الفاتيكان وبدعم دولي ،عن علم او جهل من ضمن خطة عزل وتطويق الحزب.
هذا الاعتراف الأميركي بـ "حزب الله” تقول المصادر الديبلوماسية نجد ما يشبهه
في إسرائيل، ولكن في إطار آخر "عسكري” ومن خلفية أخرى "سلبية وتحذيرية”. فالمحللون والخبراء الإسرائيليون باتوا يصنفون حزب الله "قوة
عسكرية إقليمية” استنادا إلى تجربته العسكرية في سورية ودوره القتالي المهم الذي اضطلع به في تغيير موازين القوى ومسار الصراع لمصلحة الرئيس بشار
الأسد. حيث تكشف المعلومات الاسرائيلية عن قيام قوّة من حزب الله، للمرة الاولى باستحداث مركز لها في موقع مقابل منطقة القنيطرة في الجولان مقابل
مراكز تنتشر فيها وحدات الجيش الإسرائيلي، في خطوة فسرها المراقبون الاسرائيليون على انها محاولة لكسر الجمود الذي وصل إليه الجيش السوري والفصائل
المعارضة خلال معركة استمرت لمدّة شهر من أجل السيطرة على مدينة القنيطرة، رابطا الخطوة بخطاب السيد حسن نصر الله الاخير، الذي تباه فيه بتأثير
نجاح الحزب العسكري على الجيش الإسرائيلي،حيث بات من المعروف أنّ الرئيس السوري بشار الأسد والأمين العام لـلحزب يُعلقان أهمية كبرى على ما يمكن تسميته
"الإستراتيجية المتأهّبة”.
وفي تقويم المصادر الدبلوماسية نفسها ، يستعدّ الحزب لفتح جبهة حرب جديدة بوجه إسرائيل من الجانب السوري وتحديدًا من
الجولان،رابطة الامر بزيارة وزير الخارجية الاميركية إلى بيروت، التي أتت بعد يومين فقط من موافقة واشنطن على تمويل الحكومة الفلسطينية المدعومة
من "حماس”، كجزء لا يتجزأ من منعطف جديد في السياسة التي تتبعها الإدارة الأميركية، والتي تتمثّل بالبدء بالإنخراط مباشرةً مع الحكومات العربية
المدعومة من قبل منظمات موالية لإيران، مثل "حزب الله” و”حماس”،وهو ما برز جليا في دعوة الولايات المتحدة صراحةً حزب الله، الذي تقاتل عناصره
في سوريا، ليكون جزءًا من المساعي للوصول إلى حلّ سياسي للحرب السورية، قابلة بمحور موسكو- طهران- بيروت باعتباره شريكًا حاسمًا.
سياسة ستواجهها تل ابيب ، بحسب المصادر الديبلوماسية بالرفض المطلق،لما تشكله من
مخاطر على الامن القومي للدولة العبرية، في ظل عدم التمييز الاميركي بين الإنفتاح على إيران و”حزب الله”،ما سيؤدي حكما الى احتضان واشنطن لاكثر "المنظمات
تشددا في الشرق الأوسط ،كاشفين أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قرّر أن يواجه الخط الجديد الذي تتبعه إدارة أوباما وذلك عبر
المواجهة من داخل الكونغرس الأميركي ، بمساعدة اللوبي المؤيّد لتل ابيب من أجل إقرار قوانين تعيق هكذا خطوات ،مستفيدا من دخول الولايات المتحدة
الاميركية مرحلة الانتخابات التشريعية التي ينتظر ان تحمل معها اغلبية جمهورية وعدت باحداث تغيير في السياسة الخارجية، وتحت هذا العنوان يمكن
ادراج المساعدات العسكرية القاتلة للمعارضة السورية التي قد تصل الى حد تقديم دعم عسكري مباشر في العمليات القتالية، وصولا الى عودة لبنان الى اجندة
الاهتمام الاميركي المباشر.
التباس زيارة كيري ومواقفه ، رفع من منسوبهما امس كلام السفير البريطاني في بيروت الذي استرسل في "مدح” حزب الله ودوره
وحقه، هو "المتهم "بفتح اولى قنوات الاتصال مع الجناح السياسي للحزب، وخارجيته العاملة على نقل الرسائل بين الاميركيين والحزب، راعية لاتصالات غير
مباشرة بين الطرفين. وعليه يبدو ان المنطقة امام حراك مستجد تغلب عليه الصورة الوردية لاتباع محور الممانعة ، رغم اصرار الكثيرين على انه من
المبكر حسم الامور لان رحلة الالف ميل ما زالت طويلة ودونها عقبات كبيرة وضخمة قد لا تنتهي بالملفات القضائية الجنائية العالقة اما القضاء
الاميركي والمرتبطة بعشرات العمليات المصنفة ارهابية واودت بحياة مئات الاميركيين
، في بلد يصعب فيه التلاعب بارادة الرأي العام في ملفات مماثلة ، ولعل خير دليل على ذلك قضية ايران- كونتراس في النصف الاول من الثمانينات التي اطاحت باقوياء الادارة يومها.