kayhan.ir

رمز الخبر: 1994
تأريخ النشر : 2014June13 - 20:07

السلطة وأوراق القوة المعطلة في مواجهة “إسرائيل”

صالح النعامي

تحاول "إسرائيل” دائماً تكريس انطباع مفاده أنها الطرف الذي يملك من أوراق القوة ما يمكنه من إملاء مواقفه على عدوه، بحيث لا يكون أمام قيادة العدو إلا قبول ما تعرضه تل أبيب.

فردا على قرار قيادة السلطة الفلسطينية التوجه للأمم المتحدة وتوقيع الرئيس الفلسطيني محمود عباس على طلبات انضمام دولة فلسطين إلى 15 منظمة وميثاق دولي، سارعت "إسرائيل” لاتخاذ إجراءات عقابية ضد السلطة، من بينها تجميد تحويل عوائد الضرائب التي تجبيها "إسرائيل” لصالح السلطة وفرض قيود على العديد من مشاريع البنى التحتية التي تعكف السلطة على إنشائها بالتعاون مع المجتمع الدولي.

لكن القيادة الإسرائيلية تعي أن لدى قيادة منظمة التحرير من أوراق القوة ما يمكنها من إلحاق أذى كبير بالكيان الصهيوني.

ويدرك صناع القرار في تل أبيب أنه في حال تعاملت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية مع قرار التوجه للأمم المتحدة كتحرك نضالي شامل ضد الاحتلال، فإنه سيكون بإمكانها تلقين الحكومة الإسرائيلية درساً لن تنساه وسيعري قادة الكيان الصهيوني ليس فقط أمام العالم، بل سيحرجهم أمام الرأي العام الإسرائيلي بعد أن يكتشف الإسرائيليون بؤس الرهان على عوائد الإستراتيجية التي يعتمدها هذا الكيان في التعامل مع القضية الفلسطينية.

ورغم أن هناك ما يدلل على أن قيادة السلطة الفلسطينية غير معنية بخوض غمار مواجهة حقيقية وشاملة مع "إسرائيل”، فإنه في حال ثبت العكس وجاء التحرك الدبلوماسي الفلسطيني الأخير كجزء من إستراتيجية نضالية شاملة، فإن هذه الإستراتيجية يجب أن تشمل المركبات التالية: حل السلطة الفلسطينية، وتفعيل النضال الدبلوماسي، والتوافق على برنامج وطني شامل.

عوائد تفكيك السلطة

يكثر المسؤولون الفلسطينيون أثناء لقاءاتهم مؤخراً مع نظرائهم الأميركيين والإسرائيليين من التهديد بحل السلطة رداً على تواصل مشاريع الاستيطان والتهويد، لأنهم يدركون تماماً طبيعة المخاوف الإسرائيلية من تبعات أي قرار فلسطيني بتفكيك السلطة.

وبغض النظر عن جدية هذه التهديدات، فإن قرار حل السلطة الفلسطينية سيفضي إلى مراكمة أعباء أمنية وسياسية واقتصادية هائلة على كاهل "إسرائيل” وسيقلص إلى حد كبير من هامش المناورة المتاح أمام القيادة الإسرائيلية.

إن حل السلطة الفلسطينية سيحرم "إسرائيل” من مزايا "الاحتلال المرفه”، المتمثلة بالتمتع بعوائد الاحتلال عبر مواصلة التهويد والاستيطان وتحويل الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى سوق للبضائع الإسرائيلية، وفي الوقت نفسه تحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية توفير الخدمات للفلسطينيين، وهي المسؤولية التي كان يتوجب على "إسرائيل” تحمل تبعاتها كدولة احتلال.

وفي حال تم حل السلطة الفلسطينية، ستكون "إسرائيل” مطالبة بالقيام بواجباتها كدولة احتلال، وتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة للفلسطينيين، على صعيد الإغاثة والصحة والتعليم وغيرها، وهو ما سيؤدي إلى تحميل الخزانة الإسرائيلية عبئاً مالياً باهظاً لا يقل عن سبعة مليارات دولار في العام (صحيفة جلوبس، 7/4/2014)، مع العلم بأن تقديرات إسرائيلية أخرى ترجح ألا يقل العبء عن عشرين مليار دولار سنوياً (يديعوت أحرونوت، 20/4/2014).

وإذا أخذنا بعين الاعتبار حقيقة الضائقة الاقتصادية التي تعاني منها "إسرائيل” وتعكسها بشكل أساسي مشكلتا السكن وغلاء المعيشة، اللتين دفعتا الكثير من الشباب اليهودي لترك "إسرائيل” والبحث عن فرص في الخارج، ستفاقم الأعباء المالية لحل السلطة من الأزمات الاقتصادية في "إسرائيل” بشكل غير مسبوق.

لكن الأعباء الاقتصادية ستكون النتيجة الأقل ضرراً مقارنة بالأعباء الأمنية التي ستتحملها "إسرائيل” في أعقاب حل السلطة الفلسطينية.

إن حل السلطة سيحرم "إسرائيل” من عوائد التعاون الأمني بين أجهزة السلطة الأمنية من جهة، والجيش والمخابرات الإسرائيلية من جهة أخرى. لقد خرج الجنرال إيتان دينجوت، منسق عمليات الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية عن طوره في توصيف العوائد الهائلة التي تجنيها "إسرائيل” من تعاون أجهزة السلطة الأمنية مع "إسرائيل”، حيث أكد أن هذا التعاون أسهم في تحسين البيئة الأمنية داخل الضفة الغربية و”إسرائيل” بشكل غير مسبوق، وقلص بشكل جذري من حجم الأعباء على كاهل الأجهزة الأمنية الصهيونية (صحيفة إسرائيل اليوم، 3/1/2014).

وفي حال توقفت أجهزة السلطة الأمنية عن دورها في التصدي لمظاهر احتجاج الشارع الفلسطيني على ممارسات جيش الاحتلال والمستوطنين، التي تتمثل في مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات والمس بالمقدسات وتنفيذ الاعتداءات المنظمة، فإن هذا الأمر قد يدفع إلى اندلاع مواجهات شاملة بين الفلسطينيين وجنود الاحتلال، يمكن أن تتطور إلى انتفاضة ثالثة، تنسف البيئة الأمنية القائمة في الضفة الغربية و”إسرائيل”، وتهيئ الظروف أمام استئناف عمليات المقاومة في وقت يستنفر فيه الجيش الإسرائيلي لمواجهة تبعات التحولات المتلاحقة في العالم العربي.

إن التحول في البيئة الأمنية في الضفة الغربية إثر حل السلطة، سيفضي إلى المس بشكل كبير بالمشروع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس، وسيحرمه من أهم مقومات تواصله.

إن أحد أهم الأسباب التي تدفع اليهود، لا سيما العلمانيين للانتقال للعيش داخل مستوطنات الضفة الغربية هو تحسن البيئة الأمنية هناك بفعل التعاون الذي تبديه الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، فهؤلاء اليهود لا يتوجهون للاستيطان لدوافع عقائدية، بل لدوافع اقتصادية وسعياً وراء ظروف حياة أفضل، حيث بإمكانهم الحصول على بيوت بشروط ميسرة جداً بفعل رخص الأرض، وبفضل الامتيازات التي تمنحها الحكومة الإسرائيلية للمستوطنين.

ومن الواضح أن تدهور البيئة الأمنية في الضفة الغربية لن يؤدي فقط إلى توقف انتقال العلمانيين اليهود للعيش في المستوطنات، بل سيفضي أيضاً إلى هجرة داخلية عكسية من المستوطنات باتجاه "إسرائيل” نفسها.

يعي الإسرائيليون أن استئناف عمليات المقاومة انطلاقاً من الضفة الغربية سيقلص مستوى الشعور بالأمن الشخصي لدى الإسرائيليين وسيمس بمعنوياتهم وسيردع المستثمرين الأجانب عن القدوم للاستثمار في "إسرائيل”، تماماً كما كانت عليه الأمور في انتفاضة الأقصى.

فعلى سبيل المثال، تعد حكومة نتنياهو العدة لتدشين أكبر منطقة صناعية في "إسرائيل” في المنطقة المتاخمة لمستوطنة "معاليه أدوميم”، التي تقع شمال شرق القدس، حيث يتضمن المخطط تخصيص مساحات لشركات أجنبية تم إقناعها بالقدوم للعمل في "إسرائيل”.

ومن الواضح أن تدهور الأوضاع الأمنية سيقطع الطريق على المستثمرين الأجانب ويحول دون قدومهم للعمل في "إسرائيل”، وهذا ما سيفاقم الثمن الاقتصادي لقرار حل السلطة.

الطوق الدبلوماسي

يدرك الأميركيون والإسرائيليون حجم الضرر المباشر الذي سيلحق بهم في حال قبلت فلسطين في المنظمات والمؤسسات الدولية. ف”إسرائيل” ستواجه التبعات المباشرة لهذه الخطوة، لا سيما في حال انضمام فلسطين لمحكمة الجنايات الدولية، في حين أن محاولة واشنطن إحباط التحرك الفلسطيني سيحرج الإدارة الأميركية وسيفرض عليها أعباء دبلوماسية وسياسية كبيرة، لا سيما وهي تواجه تبعات أزمات متعددة، على رأسها التوتر مع روسيا في أعقاب ضم شبه جزيرة القرم.

إن حل السلطة الفلسطينية من جهة وقبول فلسطين في المؤسسات الدولية من جهة أخرى، من شأنه أن يغير المكانة القانونية للأراضي الفلسطينية حسب القانون الدولي، بحيث يمكن أن يعد أي قرار بالبناء في مستوطنات الضفة الغربية والقدس قراراً غير قانوني، يستدعي ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين قضائياً.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار حملة المقاطعات الدولية التي تتعرض لها "إسرائيل” وتتسع باطراد، فإن التحركات الفلسطينية في المحافل الدولية يمكن أن تستحيل إلى طوق دبلوماسي يقلص أيضاً مكانة "إسرائيل” الدولية.

كما أن الأثمان الاقتصادية والأمنية والسياسية التي ستدفعها "إسرائيل” نتاج قرار حل السلطة والتحرك في المحافل الدولية سيعري ائتلاف اليمين الحاكم في "إسرائيل” وسينسف مصداقيته أمام الجمهور الإسرائيلي.

ورغم أن منظومة العوامل التي تؤثر على توجهات الإسرائيليين السياسية والأيديولوجية واسعة ومتشعبة، فإن فشل الحكومة الحالية في إدارة الصراع في مواجهة الفلسطينيين يمكن أن يؤدي إلى تغيير في موازين القوى الداخلية، وقد يؤدي إلى صعود تحالف الوسط ويسار الوسط مجدداً لسدة الحكم.

صحيح أن أقصى ما يطرحه اليسار الصهيوني لا يلبي الحد الأدنى المقبول فلسطينياً، لكن هذا التحول -في حال تم- سيفضي إلى تآكل ما في الموقف الصهيوني من القضية، بعد أن يدرك الإسرائيليون محدودية الرهان على خيار القوة العارية في مواجهة شعب متشبث بحقه في الحرية والحياة. وسيكون نتاج ذلك توقف الإسرائيليين عن مواصلة طرح المطالب التعجيزية، على غرار المطالبة بالاعتراف بيهودية "إسرائيل”، وغيرها.

برنامج وطني شامل

من الواضح أن إنجاز ما تقدم يتوقف على مدى قدرة قيادة منظمة التحرير على إنهاء حالة الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، حيث إن طعن "إسرائيل” في شرعية تمثيل عباس للفلسطينيين يعد أخطر العقبات التي تواجه التحرك الفلسطيني في المحافل الدولية.

فوزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان يقول إن عباس يمثل في أحسن الحالات نصف الشعب الفلسطيني، ولا يمكن إنجاز تسوية معه إلا في حال توافق الفلسطينيون على تمثيله لهم.

لا يسهم إنهاء الانقسام فقط في تحسين فرص نجاح التحرك الفلسطيني في المحافل الدولية فقط، بل يفترض أن يفضي إلى توافق فلسطيني على برنامج وطني مشترك يقلص من قدرة "إسرائيل” على استغلال التناقضات الداخلية الفلسطينية.

ومن المؤكد أن حل السلطة الفلسطينية سيزيل الكثير من العقبات التي كانت تعترض إنهاء الانقسام، لأنه سيشطب من جدول الأعمال المحاور المتعلقة بتقاسم كعكة السلطة والانتخابات وغيرها من القضايا، التي غذت حالة الاستقطاب الداخلي.

وفي الوقت نفسه فإن البرنامج الوطني يجب أن يضمن توافقا فلسطينيا على كيفية إدارة وضبط الصراع في مواجهة الاحتلال، بحيث يعظم من تأثير الفعل الفلسطيني من جهة، ومن جهة أخرى يقلص من قدرة "إسرائيل” على استغلال التباينات في سلوك الفصائل الفلسطينية.

تخطئ قيادة السلطة الفلسطينية في حال سعت لتوظيف تحركها في الأمم المتحدة لمساومة "إسرائيل”، وإقناع حكومتها بتقديم ما يسمح بالعودة للمفاوضات العبثية عبر إطلاق عدد من الأسرى الفلسطينيين.

لقد تعهد أبو مازن أمام المجلس الثوري لحركة "فتح” مؤخرا بأنه لن يستجيب للإملاءات الإسرائيلية الأميركية وأنه غير مستعد لإنهاء حياته بـ”خيانة”، لأنه أدرك أن مسار المفاوضات كما تخطط له واشنطن وتل أبيب يفرض عليه التفريط بالقضية الوطنية الفلسطينية.

ومن نافلة القول التأكيد على أن موافقة عباس على استئناف المفاوضات سينسف مصداقيته، ويؤكد حرصه على تعطيل أوراق القوة التي بحوزة السلطة مقابل سراب المفاوضات.