جذور الحركات الاسلامية في الارض
ان تجربة السنوات 1982 ـ 1985 والتي مرت بالجيش الاسرائيلي خلال الحرب على لبنان تعاد اليوم بعد اربعين عاماً وتتكرر في انعكاسها على قوة تماسك الجيش الذي تحطمت كبريائه واطاح غروره واوجدت حالة من عدم الانضباط في صفوفه، لاسيما وهو يشاهد القرار بيد جنرال اميركي يأتي ليقنع القيادة الاسرائيلية بايقاف الحرب فتولد لدى هذا الجيش الصهيوني عقدة "اوديب" فيبقى متحمساً لليوم الذي ينتفض على قرار السيد الاميركي ليستقل لنفسه.
فتجربة جنوب لبنان ادت كما لاحظنا الى تراجع السياسة الصهيونية في لبنان بشكل عام فضلا عن التكاليف الاقتصادية الباهضة، اذ يبقى هاجساً عالقاً في اذهان جنرالات الحرب الصهاينة، وقد قالها رئيس وزراء الكيان الصهيوني الاسبق "شمعون بيريز" في 13/3/1985؛ "ان الانسحاب من الحدود الدولية لـ"اسرائيل" مع لبنان لا يشكل ضمانة لوقف الارهاب الشيعي"، ولو كان هناك طريق حل لما تأخر الصهاينة في الاقدام عليه.
بالمقابل فان ابتعاد المسلمين عن القيم الاسلامية الحقة سيؤدي ـ لاسامح الله ـ الى انهيار مجتمعي، لذا صار على الحركات الاسلامية ان تبقى ناهضة لرأب الصدع القائم بين مُثل الاسلام وواقع حياة المسلمين من خلال تحرك سياسي اجتماعي بهدف تجديد المجتمع لا ان تكتفي كتيارات فكرية، يقرأها الفرد في الكتب الى ان يصيبه الملل لتناقضها مع الخارج.
اذن فالمقاومة الاسلامية المتجذرة في الامة هي حالة سياسية اجتماعية تمارس العمل الثوري في مواجهة العدو الصهيوني بكل حنكة ودهاء وفي نفس الوقت تدشن مشاريع اقتصادية لتعيش ابنائها الكرامة مع تسجيل حضورها في المنظومة التشريعية للبلد.
والماضي صريح في دروسه التجريبية بكافة البلدان الاسلامية كوقائع معاصرة. فمثلاً ثورة العشرين التي اندلعت في العراق آيار /مايو 1920 ضد الاحتلال البريطاني، جراء عدم ايفاء دول الحلفاء بالوعود المقطوعة للعرب بنيل الاستقلال، ورغم انها سجلت كيوم وطني ادى الى انبثاق الدولة العراقية الحديثة واجبرت البريطانيين تغيير اساليب اداراتهم، وقدمت 8450 شهيدا من القبائل في منطقة الفرات الاوسط، وتتويج فيصل ملكاً على العراق في 23 آب 1921، الا ان العراق بقي تحت الانتداب البريطاني ويمثلها السير "بيرسي كوكس" كمندوب سامي، فقام بابعاد علماء الدين الى ايران، على ان لا يتدخلوا من بعدها في اي أمر سياسي كشرط اعادتهم وهكذا صار، إذ مُنع اي نشاط اجتماعي سياسي بسبب تحريمه من قبل كبار العلماء وصار نهجاً متبعاً لعقود طويلة.
فما احوجنا اليوم في ظل هذه الظروف لمراجعة السيرة الذاتية لقادة الامة وما بذلوه من غال ونفيس وكيف ضحوا بمراكزهم الدنيوية ومكاناتهم العلمية، وابرز عالم دين ثوري في زماننا المعاصر هو الامام الراحل آية الله الخميني(ره)، حين نشر كتابه "كشف الاسرار" عام 1943يفضح جرائم فترة العشرين عاماً من حكم رضاشاه، وتولى الرد على شبهات المنحرفين دفاعاً عن الاسلام وعلماء الدين، مثيرا في كتابه فكرة الحكومة الاسلامية وضرورة النهوض لاقامتها. اما نضالة العلني ضد الشاه عام 1962 كان حينما وقف بقوة ضد لائحة "مجالس الاقاليم والمدن" والتي كان محورها محاربة الاسلام، فالمصادقة على هذه اللائحة تعني حذف الاسلام كشرط في المرشحين وكذلك القبول باستبدال اليمين الدستورية بالكتاب السماوي بدلا من القرآن المجيد. فانطلقت المسيرات الشعبية الحاشدة في قم وطهران وسائر المدن، مما اضطر نظام الشاه الى إلغاء اللائحة والتراجع عن مواقفه.
إن استذكار أعلام وقامات تنعش في عروق ابناء الامة الاسلامية الآمال بان الحق منتصر على الباطل ولو بعد حين، ولكي تكون هذه الشخصيات المخلصة فرقاناً وحجة على الجميع كي لا ينخرطوا في تيارات تدعي الدفاع عن الاسلام كالقاعدة وداعش والنصرة وهيئة تحرير الشام وغيرها الا ان ولاءها الاساس للقوى الغربية.