الخلط بين المقاومة والإرهاب تعبير عن أزمة فكرية عربية
علي إبراهيم مطر
تعيش المجتمعات العربية المختلفة أزمة فكرية طارئة وخطيرة، ترتبط بفلسفة وتعريف المقاومة والإرهاب. هذه الظاهرة تنذر بتهديد جدي تسعى إليها منظمات ودول عربية وغربية لإدخال مجتمعاتنا في حالة من الانحلال في إرادة وعزيمة المواجهة.
على مر السنوات الماضية، تحاول وسائل إعلام عربية وغربية، على غرار تلك الإسرائيلية، الخلط بين الإرهاب والمقاومة على الرغم من الفرق الشاسع بين المفهومين. هذا المسعى هو من أجل تنفير الناس من الإسلام من جهة وتحقيق مآرب غربية في منطقتنا من جهة اخرى. علماً أن التراث الفكري كان قد أسَّس سابقاً لما عرف بحق مقاومة الطغيان، ورفع شعارات الحرية والعدالة والمساواة التي نادى بها روسو وفولتير وغيرهما من الفلاسفة في أوروبا قبل قرون عدة.
وللأسف فإن ما يحصل اليوم، هو تبدل في الرؤى والمصالح التي تفتضيها لعبة الأمم والسياسة الدولية التي بدأ البعض يخلطها بشكل خاطئ مع القانون الدولي.
-الفرق بين المقاومة والإرهاب
في ظل خطورة هذا التشبيه وسط ما يحصل في بلداننا حالياً مع تمدد "داعش” في سوريا والعراق ووصولها إلى عدد من البلدان الأخرى فإنه لا بد من توضيح الفرق بين المقاومة والإرهاب، لحفظ كرامة مقاومين دفعوا دماءهم ثمناً لتحرير أراضيهم في فلسطين وسوريا ولبنان أو للدفاع عن أراضيهم ضد المد التكفيري. فلا يمكن لأي إنسان سوي القبول بالظلم، أو أن يداس على كرامته، فتحتل أرضه وتخرب أرزاقة وتسرق أمواله، لذلك فإن مقاومة الظلم أمر طبيعي ومشروع. هنا يكون الإنسان في حالة الدفاع عن النفس، ولا يكون هجومياً عنفياً إرهابياً، لأن المقاوم والمدافع عن أرضه يختلف عن الإرهابي الذي يسلب حقوق الآخرين ويعتدي عليهم ويقتلهم ويروعهم.
ـ ما هو الإرهاب؟
الإرهاب هو ترويع الآمنين، وتدمير مصالحهم ومقومات حياتهم، والاعتداء على أموالهم وأعراضهم وحرياتهم وكرامتهم الإنسانية. وقد شاهدنا ما قامت به اسرائيل منذ قيامها وممارسات المجموعات الإرهابية التابعة لـ”القاعدة” منذ احداث 11 ايلول 2001 حتى يومنا هذا.
لقد أضحى مصطلح "الإرهاب” من أكثر المصطلحات شيوعاً في العالم. هذا الاصطلاح الذي يعرف قانونياً بحسب تعريفات الأمم المتحدة بأنه "كل عمل جرمي ضد المدنيين بقصد التسبب بالوفاة أو بالجروح البليغة أو أخذ الرهائن من أجل إثارة الرعب بين الناس أو إكراه حكومة أو منظمة دولية للقيام بعمل ما أو الامتناع عنه”.
هذا "الرعب الاصطلاحي” أصبح يستخدم على نطاق واسع لتحقيق مخططات توسعية ضد أقاليم عديدة في العالم من خلال إلهائها بمحاربة الإرهاب. خلال 4 سنوات من الحرب على سوريا، تعرف العالم إلى أنواع كثيرة من الإرهاب، وإن كان الهدف واحداً لا يتغير القتل والترهيب وبث الرعب بصفوف المدنيين، لتحقيق أهداف متعددة. وقد رأينا من خلال الجرائم والمجازر التي ترتكبها هذه التنظيمات الإرهابية، مدى وحشيتها وأنها لا تمت إلى المقاومة بصلة.
ـ ما هي المقاومة؟
المقاومة بشكل مختصر هي الكفاح من أجل الدفاع عن الوطن ضد احتلال الأرض ونهب الثروات. وعمل المقاوم يكون عادةً محاطاً بضوابط وآداب وأحكام واضحة تحرم قتل غير المقاتلين، كما تحرم قتل الأبرياء من الشيوخ والنساء والأطفال، أو تتبع الفارين، أو قتل المستسلمين، أو إيذاء الأسرى، أو التمثيل بجثث القتلى، أو تدمير المنشآت والمواقع والمباني، التي لا علاقة لها بالقتال.
المقاومة الشعبية هي عمليات القتال التي تقوم بها عناصر وطنية - من غير افراد القوات المسلحة النظامية - دفاعاً عن المصالح الوطنية او القومية ضد قوى اجنبية، سواء كانت تلك العناصر تعمل في اطار تنظيم، يخضع لاشراف وتوجيه سلطة قانونية او واقعية، او كانت تعمل بناء على مبادرتها الخاصة، سواء باشرت هذا النشاط فوق الاقليم الوطني، او من قواعد خارج هذا الاقليم .
كما يعد استخدام القوة المسلحة، احد العناصر الرئيسية لقيام المقاومة الشعبية المسلحة، والمقصود باستخدام القوة المسلحة، مباشرة القتال ضد العدو الذي تجري ضده .
وتنشأ المقاومة الشعبية المسلحة، كرد فعل واستجابة غريزية من جانب الشعب ازاء موقف معين، يكون فيه مصير الوطن معرضاً للخطر من جانب عدو اجنبي، فيهب فريق من افراد الشعب الى السلاح تلقائياً، او في إطار تنظيم او تنظيمات معينة، للدفاع عن ارض الوطن.
*المقاومة في القانون الدولي
لقد كان موضوع المقاومة الشعبية المسلحة ضد الغزو والاحتلال من ابرز المسائل التي احتدم حولها الجدل والنقاش طويلاً في مؤتمرات بروكسل عام 1874 ، ولاهاي في 1899، 1907 وقد تم التأكيد على وجوب اطلاق حق الشعب المدني في المشاركة في الدفاع عن الوطن، وممارسة المقاومة الشعبية المسلحة التي نظر اليها بوصفها واجباً مقدساً، والعمل على تحرير هذا الحق من كل القيود.
نصت المادتان الاولى والثانية من لائحة لاهاي الخاصة بقوانين واعراف الحروب البرية، على ان "قوانين الحرب بما يترتب عليها من حقوق وواجبات لا تطبق فقط على الجيوش ، وانما ايضا على فرق المتطوعين التي تتوفر لديها كما ذكرت اتفاقيات جنيف الشروط التالية:
- ان تكون تحت قيادة شخص مسؤول عن مرؤوسيه
- ان تكون لها علامة مميزة يمكن تمييزها عن بعد.
- ان تحمل اسلحة بشكل ظاهر.
- ان تقوم بعملياتها الحربية طبقاً لقوانين وتقاليد الحرب.
كما جاء في المادة الثانية " ان الافراد من شعب الاقليم غير المحتل الذي يهب تلقائياً الى حمل السلاح عند اقتراب العدو لقتال قوات الغزو، دون ان يتوافر لديه الوقت الكافي للتنظيم وفقاً للمادة الاولى يعتبرون كمحاربين اذا احترموا قوانين واعراف الحرب”.
وقد كفلت حق المقاومة في الدفاع عن الوطن وتحرير اراضيه، المادة الأولى من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، حيث أكدت أن لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها. وأصدرت الجمعية العامة القرار 1514 في 14/ 12/1960 الذي يعلن منح الاستقلال للبلاد والشعوب المستعمرة.
كذلك أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3101 الصادر في 2/12/1972 في الدورة الثامنة والعشرين، لتأكيد حق الشعوب الخاضعة للاحتلال بالتحرر منه بالوسائل كافة.
إن ميثاق الأمم المتحدة يقر بحق المقاومة، ضد أي عمل عدواني يقوم به الاحتلال. وقد أكدت البنود الواردة في المادة الأولى من الميثاق على حق الشعوب في المقاومة ومواجهة أي عمل عدواني ضد الاقليم.
من يريد هذا الخلط بين المفهومين؟
مع كل الجهود المبذولة من الأمم المتحدة لحصر مفهوم الإرهاب وعدم خلطه بحق المقاومة ومشروعيتها، كانت الولايات المتحدة تسعى دائماً لمنع حصول ذلك، من أجل التفرد في تصنيف أعمال العنف وفق ما تشاء وبمعايير مزدوجة. وقد تصاعد اتجاه توسيع مفهوم الإرهاب لديها ليشمل أعمال المقاومة والكفاح المسلح المشروعة، ولا سيما بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، وإثر انعقاد مؤتمر شرم الشيخ عام 1996 وضغط أمريكا بهدف إدانة أعمال المقاومة المسلحة الفلسطينية واللبنانية تحت اسم "الإرهاب”.
لذلك نرى أنه لا بد من تشكيل جبهة لديها رؤية عربية إسلامية للدفاع عن المقاومة ويكون لديها رؤية واضحة لمفهوم الإرهاب، وتمييزه عن مفهوم المقاومة المشروعة، وان يتم دائماً التأكيد على حق الشعوب في مقاومة الاحتلال الأجنبي والتصدي للعدوان، وتحرير الأرض، وتقرير المصير، ونيل الاستقلال بمختلف الوسائل، بما في ذلك الكفاح المسلح.
إن تحرير الوطن والدفاع عن النفس ضد أي عدوان سواء صهيوني أو تكفيري يبقى حقاً منسجماً مع مبدأ حق تقرير المصير. وحق المقاومة مستوحى في الأصل مما ورد في مقدمة الإعلان العالمي لحقوق الانسان، وهنا يصبح حق المقاومة في لبنان في تحرير الاراضي والدفاع عن النفس، من أصل حق الإنسان في الحياة.