شهادته برهان على انتصاره
حين يجتمع مفكرون من 13 دولة لاستذكار أحد النخب الفكرية ويصدروا بعد الانتهاء من مؤتمرهم كراساً يحصرون فيه الابعاد العلمية وأطراف قابليات تلك الشخصية وفاءً لدوره في نشر ما ابدع فيه واطروحة تضع خارطة طريق للباحثين في مجاله. وبالتالي يفردون آثاره في احدى رفوف المكاتب العامة. إلا ان قامة كالشهيد السيد حسن نصر الله حين ينعقد ملتقى في اربعينيته يتردد القائمون على استذكاره في معالجة جوانب من شخصيته وسيرته كقائد ظهر في احرج ظرف عرفتها الاُمة، فلا يجدون حيلة إلا وتغيير اُفق الرؤية لتتعدى كونه معلماً الى رحابة وجوده فيشار إليه كمدرسة وبذلك يخرج من نطاق الجماعة والبلدة والطموح المقروء. فالمدرسة تستقطب كل من جنح إليها ليتخرج منها متعلماً بعض علومها ولكنه يهب قلبه ومشاعره وقفا للاجيال القادمة "كزرع اخرج شطأه... يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار" وهذا معنى كون الشهيد نصر الله اخطر على الصهاينة في شهادته من حياته.
ان مدرسة السيد الشهيد لم تختر المقاومة كي تُربك المنطقة بل بالعكس هي الطريق الوحيد للوصول الى الامن المستدام فكان يرى ان الانتصار بلبنان وفلسطين يتطلب المقاومة وهي اللبنة الاولى لتحقيق العدالة، ومن لوازم هذا الدرب الإعداد لمواجهة العدو بالرعب "ترهبون به عدو الله وعدوكم" وعلى ذلك فقط أرعب الصهاينة على مدى عقود ومازالت كلمته تشكل كابوساً لهم.
كما ان ما ميز مدرسة السيد الشهيد نصر الله جامعيتها، حين اسس (رحمه الله) نواة دولة تتعدد ابعادها، فكان البعد الدبلوماسي واضحاً بارزاً للعدو والصديق . فكان يرى ان الحزب ليس جماعة مسلحة لا تتمدد الا بمديات مدافعها ولا تنحصر انتصاراتها في سوح القتال فقط، بل اروقة العمل الدبلوماسي والحواضر الاممية.
ان الصورة الابهى والاكثر اشعاعاً في مدرسة السيد الشهيد نصر الله والتي امتازت بها عن سائر من سبقه الذين عرفوا بالشمولية واتصفت حركتهم بقاعدتها العريضة، انها لم تنفصل عن رافدها الاساس ولم توسوس لها زبارج الشهرة والاوحدية في الجهاد بل اعتبرت نفسها فرعاً باسقاً من اصل الشجرة فحصلت جزاءها اضعافا مضاعفة "كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة" وهذا ما شهدناه في كل اطلالة من اطلالات الشهيد يُرجع الفضل والانتصار الى ولي الامر سماحة قائد الثورة المعظم، وهي خصوصية، اضافة لكونها تربوية عرفانية، توصف بانها ولائية بامتياز، يقصد منها تربية طلاب هذه المدرسة بان المراتب طولية كابر عن كابر وليست (لا سامح الله) عرضية، وهو بذلك أسس لمن بعده نهجاً تعبدياً وان كان ظاهره اخلاقياً تتشابه على المبتدئين انها من مصاديق؛ (من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق). نعم علمنا السيد الشهيد ـ وان لم نوفق حضور مدرسته ـ دروس (الجهاد والحياة) و(الشجاعة والاحتياط) و(الارعاب والتحنن) و(الفروسية والقدسية) فهي وان كانت متضادة في معانيها ولكنها اضحت ملكات في اعماقه، تعجز مكالبة الاعداء على فك رموزها. ويبقى ان نلملم بقايا افكارنا وشوارد اذهاننا لنجلس القرفصاء عند ناصية عتبة هذه المدرسة.