السيدة زينب «عليها السلام» جبل الصبر وصرخة الحق
ونحن نبارك الامة الاسلامية بذكرى ولادة السيدة زينب عليها السلام، نبدأ حديثنا بالقول بتسمياتها التي اشتهرت بها وهي: أُمّ كلثوم، أُمّ الحسن، ولقبها: الصدّيقة الصغرى، زينب الكبرى، العقيلة، عقيلة بني هاشم، عقيلة الطالبيين، الموثّقة، العارفة، العالمة غير المعلّمة، الكاملة، عابدة آل علي. أُمّها فاطمة الزهراء بنت رسول الله (عليهما السلام). ولدت في الخامس من جمادى الأُولى بالمدينة المنوّرة.
كانت زينب(عليها السلام) من فضليات النساء، وفضلها أشهر من أن يُذكر، وأبين من أن يسطر، وتُعلم جلالة شأنها وعلوّ مكانها وقوّة حجّتها ورجاحة عقلها وثبات جنانها وفصاحة لسانها وبلاغة مقالها حتّى كأنّها تفرع عن لسان أبيها أمير المؤمنين(ع) من خطبها بالكوفة والشام، واحتجاجها على يزيد وابن زياد». قال السيّد الخوئي (قدس سره): «إنّها شريكة أخيها الحسين(ع) في الذبّ عن الإسلام والجهاد في سبيل الله، والدفاع عن شريعة جدّها سيّد المرسلين، فتراها في الفصاحة كأنّها تفرغ عن لسان أبيها، وتراها في الثبات تنبئ عن ثبات أبيها، لا تخضع عند الجبارة، ولا تخشى غير الله سبحانه، تقول حقّاً وصدقاً، لا تُحرّكها العواصف، ولا تزيلها القواصف، فحقّاً هي أُخت الحسين(ع) وشريكته في سبيل عقيدته وجهاده».
جلالة قدرها: قال يحيى المازني: «كنت في جوار أمير المؤمنين (ع) في المدينة مدّة مديدة، وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته، فلا والله ما رأيت لها شخصاً، ولا سمعت لها صوتاً، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدّها رسول الله(ص) تخرج ليلاً، والحسن عن يمينها، والحسين عن شمالها، وأمير المؤمنين(ع) أمامها، فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين(ع) فأخمد ضوء القناديل، فسأله الحسن(ع) مرّة عن ذلك، فقال(ع): أخشى أن ينظرَ أحدٌ إلى شخصِ أُختِكَ زينب».
روايتها للحديث: تُعتبر من رواة الحديث في القرن الأوّل الهجري، وقد وقعت في أسناد كثير من الروايات، فقد روت أحاديث عن الإمام علي والسيّدة فاطمة الزهراء والإمامينِ الحسن والحسين(عليهم السلام). أما أخبارها في كربلاء، فكان لها(عليها السلام) في واقعة كربلاء المكان البارز في جميع المواطن، فهي التي كانت تشفي العليل وتُراقب أحوال أخيها الحسين(ع) ساعةً فساعة، وتُخاطبه وتسأله عند كلّ حادث، وهي التي كانت تُدبّر أمر العيال والأطفال، وتقوم في ذلك مقام الرجال.
والذي يُلفت النظر أنّها في ذلك الوقت كانت متزوّجة، فاختارت صحبة أخيها وإمامها على البقاء عند زوجها، وزوجها راضٍ بذلك، وقد أمر ولديه بلزوم خالهما والجهاد بين يديه، فمَن كان لها أخ مثل الحسين(ع)، وهي بهذا الكمال الفائق، فلا يستغرب منها تقديم أخيها وإمامها على بعلها.
ندبتها لأخيها الحسين (ع): ندبت (عليها السلام) أخاها الإمام الحسين (ع) يوم عاشوراء: «بِأَبِي مَنْ فُسْطَاطُهُ مُقَطَّعُ الْعُرَى، بِأَبِي مَنْ لَا غَائِبٌ فَيُرْتَجَى، وَلَا جَرِيحٌ فَيُدَاوَى، بِأَبِي مَنْ نَفْسِي لَهُ الْفِدَاءُ، بِأَبِي المَهْمُومُ حَتَّى قَضَى، بِأَبِي الْعَطْشَانُ حَتَّى مَضَى، بِأَبِي مَنْ شَيْبَتُهُ تَقْطُرُ بِالدِّمَاءِ، بِأَبِي مَنْ جَدُّهُ مُحَمَّدٌ المُصْطَفَى…».
أخبارها في الكوفة: لمّا جيء بسبايا أهل البيت (عليهم السلام) إلى الكوفة بعد واقعة الطف، أخذ أهل الكوفة ينوحون ويبكون، فقال حذلم بن ستير: ورأيت زينب بنت علي (عليهما السلام)، فلم أرَ خَفِرة (عفيفة) قطّ أنطق منها، كأنّها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين(ع)، وقد أومأتْ إلى الناس أن اسكتوا، فارتدّتْ الأنفاس، وسكتتْ الأصوات، فقالت: «الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى أَبِي رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ، وَيَا أَهْلَ الخَتْلِ وَالخَذْلِ، فَلَا رَقَأَتِ الْعَبْرَةُ، وَلَا هَدَأَتِ الرَّنَّةُ، فَمَا مَثَلُكُمْ إِلَّا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً، تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ، أَلَا وَهَلْ فِيكُمْ إِلَّا الصَّلَفُ النَّطَف…».