التمسك بمدرسة الامام الحسين (ع) ونهجه يحقق النصر
* بقلم - جميل ظاهري
لم يشهد تاريخ البشرية على طول امتداده وآلاف سنينه ملحمة أروع وأسمى وأرفع مما سطره الامام الحسين بن على بن أبي طالب وأهل بيته عليهم السلام وأصحابه الميامين في يوم عاشوراء عام 60 للهجرة ليرسم بذلك صرح ونهج ومدرسة الاباء والتضحية والفداء التي أدت الى انتصار الدم على السيف والحق على الباطل والمظلوم على الظالم والطاغية والحقيقة على التحريف والتزوير.
وقد ظل هذا الصرح الذي رسمه هذا الامام الهمام الذي يصادف اليوم الثالث من شعبان المعظم ذكرى ميلاده المبارك والميمون ، يصدح في ربوع المعمورة وأضحى مناراً وضاءاً يهتدي به جميع الاحرار والمقاومين في كل مكان ولن يقتصر على المسلمين الشيعة لوحدهم ليسطروا الملاحم والانتصارات الواحدة تلو الاخرى بل تعدى حدود حتى العالم الاسلامي وتمسك به غير المسلمين ايضاً ليحققوا ما كانوا يصبون اليه طيلة عقود بل قرون طويلة في الحرية والاستقلال.
فلا تزال صرخة "غاندي” مؤسس الهند الجديدة ورائد مسيرة استقلالها تكتسح الـتأريخ وتدوي في سماء الذين ينشدون العيش السليم والحرية وهو يقول: "لقد طالعت بدقة حياة الامام الحسين، شهيد الاسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء وإتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر، فلابد لها من إقتفاء سيرة الامام الحسين”، ويضيف:”لقد تعلمت من الحسين كيف أعيش مظلوماً فأنتصر”.
أو كما قال "محمد على جناح” مؤسس دولة باكستان..”لا تجد في العالم مثالاً للشجاعة كتضحية الامام الحسين بنفسه واعتقد أن على جميع المسلمين أن يحذوا حذو هذا الرجل القدوة الذي ضحّى بنفسه في أرض العراق”.
فمدرسته (ع) هي مدرسة الحياة الكريمة ورمز المسلم القرآني وقدوة الأخلاق الانسانية وقيمها ومقياس الحق.. ومن هذا المنطلق نرى ان الشعوب التي تمسكت بهذا النهج القويم والصرح العظيم بلغت ذروة الانتصار والاعتلاء ، فها هي الثورة الاسلامية المباركة التي تعيش عامها الثالث والثلاثين مرفوعة الرأس شامخة الى عنان السماء يشهد العدو قبل الصديق بتطورها وتقدمها وصمودها لتمسكها بمدرسة الامام الحسين عليه السلام في التضحية والعزة والكرامة كما رسم نهجها الامام الخميني /قدس سره/ والذي قال في هذا المضمار "كل ما لدينا من عاشوراء”.
وما الانتصارات الباهرة التي تسجلها فئة قليلة من أبناء الضاحية لحزب الله من ابطال المقاومة الاسلامية اللبنانية على عدو مدجج بالسلاح كان يقال عنه "انه لا يقهر” وارغموه على الهروب والتقهقر في ظلام الليل الدامس منذ عام 2000 وحتى يومنا هذا خاصة في تموز 2006 والذي تخطى حدود كل الذل والهوان والاستهانة والمهانة والركون والركوع التي كانت تعيشها الأمة العربية طيلة ستة عقود لسجل قادتها الفاشل، وكذلك الانتصارات التي يسجلها أبطال المقاومة اليوم في سوريا ولبنان وأبطال الحشد الشعبي في العراق وانصار الله في اليمن، ماهي إلا صورة اخرى من صور التمسك بمدرسة الامام الحسين (ع) وانتصار الدم على السيف.
الامام الحسين عليه السلام منبر الحرية والعدالة والرفض المطلق للشر والاستعمار والخنوع والخضوع والركون للذل والعصبية القبلية، داعياً للحق والحقيقة نبراس الأحرار ومعلم مدرستهم.. ذلك الذي اعترف به الزعيم البريطاني الشهير "ونستون تشرشل” في كلمة له أمام مجلس اللوردات قائلا: "مادام للمسلمين قرآن يتلى وكعبة تقصد وحسين يذكر فانه لا يمكن لاحد ان يسيطر عليهم”.
المقاومة الفلسطينية هي الاخرى تعلمت جيداً هذا الدرس وحققت خلال حروب غزة مالم تحققه القضية الفلسطينية طيلة أكثر من 60 عاماً في تأليب الرأي العام العالمي ضد الكيان الصهيوني وتآزره مع الحق الفلسطيني المغصوب ليعيش الكيان اللقيط حصاراً سياسياً وعزلة عالمية لم يشهده من قبل وتتجه الشعوب العالمية حتى الأوروبية منها في تسيير اساطيل الدعم والعون والمساعدة للشعب الفلسطيني الأعزل متجاوزة بذلك كل المخاطر والمخاوف.. وهو ما أكده الزعيم الصيني الشهير "ماوتسي تونغ” قائد ثورتها ومؤسس جمهوريتها مخاطباً الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات قائلاً: "عندكم تجربة ثورية وانسانية فذة قائدها الحسين وتأتون الينا لتأخذوا التجارب”.
اما الثورات العربية الفتية لن تشهد نور النصر والعزة والكرامة ما لم تتمسك بمنهجية ومدرسة الامام الحسين بن علي عليهما السلام في التضحية والفداء والعزة والكرامة وكما وصفها "وليم لوفتس” الآثاري الانكليزي.. "لقد قدم الحسين بن علي أبلغ شهادة في تاريخ الانسانية، وارتفع بمأساته الى مستوى البطولة الفذة” أو كما قال الباحث الغربي الشهير "جون أشر”.. " إن مأساة الحسين بن على تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي..”.
وسيسجل الشعب البحريني المظلوم والأعزل المتمسك بالمدرسة الحسينية في القريب العاجل هو الآخر انتصاره بمشيئة الله تعالى وقدرته على نظام آل خليفة الطائفي والاحتلال الوهابي السعودي الخليجي لما يملكه من قوة سياسية وعسكرية واقتصادية وسيرضخ لمطاليب الشعب رغم كل مساعيه للألتفاف على الثورة بخطابات شكلية وقوة قهرية التي لا تعالج مشاكل البلد الحقيقية.
وسيسبقه شقيقه في اليمن ليسجل هو الآخر انتصاراً باهراً على آل سعود وعدوانتيهم التي حصد أرواح آلاف الضحايا قسم كبير منهم من الأطفال والنساء لا ذنب لهم سوى سعيهم للعيش بعزة وكرامة وحرية وعدم الركوع إلا لله سبحانه وتعالى متمسكين بنهج ريحانة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الامام الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهما السلام.