kayhan.ir

رمز الخبر: 196013
تأريخ النشر : 2024October20 - 21:52

ادارة غزة بعد السنوار

 

سعد الله زارعي

اثبت "يحيى السنوار" بعد العمليات الاعجابية "طوفان الاقصى"، قدر اته في القتال ضد كيان الاحتلال وتغلبه عليه، من هنا لُقب بـ"كابوس اسرائيل".

ان انتقال قيادة حماس من الشيخ احمد ياسين الى عبدالعزيز الرنتيسي ومن ثم الى مشعل فهنية والسنوار كان انتقالا ضروريا، وكذلك الافكار غير المتغيرة لحركة حماس خلال اربعة عقود بالرغم من تغيير القيادات يعكس ان خارطة طريق حماس يعتمد اصابة الهدف وليس الامر بشكل عائلي معتمد على الاشخاص. كما ان الحركة وحين الانتقال الضروري تتعرض لانواع من الظنون وان واحدة من اهم هذه الظنون "تغيير المسير" بسبب مواجهة فقد الامين العام، ففي هذه الحالات ولما كان العدو يحب ان يرى حماس بهذا الشكل، فكانت هكذا تصور نفسها له.

ان هذا هو ما تفعله مع الجمهورية الاسلامية في ايران. ففي مرحلة كان ينشر ان حياة الجمهورية الاسلامية مرتبط بحياة سماحة الامام، ومن بعده ستتجه نحو الانهيار داخلياً وبالتالي ستنهار كلياً.

ونفس هذا الفكر الخاطئ كان يؤخذ عن الحكومات في ايران، وقد سمعتم العبارة ان فلان هو السهم الاخير في جعبة الجمهورية الاسلامية واذا لم يصب فستنهار الجمهورية الاسلامية.

وربما لاول مرة سمع هذا الكلام عام 1990 بعد انتخابات رئاسة الجمهورية الخامسة. ففي ذلك الحين قال احد الاشخاص المعتبرين خلال اجتماع؛ "ان السيد هاشمي هو السهم الاخير الذي تطلقه الجمهورية الاسلامية، فان لم يتمكن من ترتيب الاوضاع فلا احد غيره سيتمكن من ذلك. ولذا فان استمرارية النظام يتوقف على نجاح السيد هاشمي في سياساته."

وها نحن نجتاز الانتخابات الرابعة عشرة لرئاسة الجمهورية والملفت ان اليوم كذلك يصفون، بعد 35 عاماً من رحلة السيد هاشمي رفسنجاني، الاوضاع بانها السهم الاخير بانتخاب الدكتور بزشكيان! فلماذا يكون التحليل بهذا الشكل! والاجابة في الاملاءات الخفية للاعداء. وذلك؛

اولاً: ان العدو يرغب في هذا ويطرح ذلك بشكل تحليل للظروف.

ثانيا: ان العدو وعلى شاكلته كنظام كلاسيكي يقوم بتحليل الامور في ايران فهو عاجز عن التمييز بين نظام ديني وثوري عن غيره. فالقرآن الكريم في الآية 54 من سورة الزخرف تشير الى ان فرعون يفكر حول المجتمع الديني بهذا الشكل كما يفكر بخصوص المجتمع المشرك! فما ستكون النتيجة؟ الخطأ في الحسابات والخطأ في العمل ومن ثم الفشل. تقول الآية: [فاستخف قومه فاطاعوه انهم كانوا قوماً فاسقين] فاراد فرعون ان يطبق ذلك على المجتمع المؤمن ففشل.

فما فعلته اسرائيل الاربعاء الماضي في قطاع غزة ان اضاف عنصر الانتقام والثأر الى عناصر المقاومة في غزة. اي من الآن وصاعدا صار للقوى الجهادية الفلسطينية طلب جديد من الكيان الصهيوني ولاجل استحصاله يدخل الى الساحة. ان قضية مهمة قد حدثت هذه السنوات وهي تملأ الفراغ الناجم من رحيل قادة مثل السنوار وهنية والعاروري، وهي اتحاد الساحات وبالتالي تواصل قادة الخارج والداخل. من هنا فان الامر الوحيد الذي بامكان اسرائيل ان تفعله هو شطب الاشخاص وهدم الجدران ولكنها لا تستطيع ان تفل سلسلة موصولة من عمان والبحر الابيض المتوسط.

فباستشهاد السنوار اقدم الكيان الغاصب على اثارة الغضب في الضفة الغربية وهذا يعني ان شهادة هنية والعاروري والسنوار لربما ينال من حماس اداريا ولكن حماس الجهادية قد تأججت واضحت اشد هيبة. وهذا امر هام ولذا قال غالبية المحللين الغربيين ان اغتيال السنوار قد عمل على تفعيل حركة حماس وزاد من تدعيم اواصره.

فالكيان الصهيوني الذي فشل في التوصل الى الاهداف التي رسمها بداية الحرب هو بحاجة الى مكاسب، فهو بالاشارة الى صور قادة حزب الله وحماس يتظاهر انه حقق اهدافه لانهاء الحرب. الا ان الحقيقة التي اشار اليها حتى بعض مسؤولي الكيان هي ان شهادة نصرالله والشهيد السنوار لم يكن بداية طريق لتكون شهادتهما نهايته. فشهداء عظام امثال سيد رضي في دمشق والى السنوار في غزة هم استمرار للطريق، وليس بدايته ولذا بعد الشهادة لم تحصل وقفة. فالبعض صار يتلاعب بالكلمات ويتحدثون عن افق وكان المقاومة بخسارتها بعض القادة ستغير مسارها او ان تبطأ في مسيرها. هذا في الوقت الذي حتى لو كان هكذا تحليل يصح مؤقتا، وهو ليس كذلك مطلقا، فان في هذه البرهة زادت المقاومة من مستوى عملياتها ضد العدو. اذ ان حفظ القوة وشدة الحركة ضرورة متتابعة. من هنا فلا يظن العدو ان بشهادة زعماء المقاومة سيتسلل الخطأ والحيرة لهيكلية المنظمات الثورية.

فهل هنالك امكانية لا حلال قائد محل السنوار ام هنالك بالاساس من يملأ الفراغ؟ وهذا هو تساؤل يطرح هذه الايام. وينبغي ان نرى كيف تخطى السنوار الطريق من عضو عادي الى المسؤول الاول في حركة حماس. فهو من مواليد 1962 في مخيم خان يونس. وفي انتصار الثورة الاسلامية كان عمره ستة عشر عاما، وفي الانتفاضة الاولى عام 1988 والتي تأثرت بالثورة الاسلامية في سن 25 عاما. وعند تأسيس حركة حماس كان في سن 26 عاما وعندما تولى مسؤولية ادارة غزة في الخمسين من عمره، وكان التلميذ الواله بالشيخ احمد ياسين. كما قضى 23 عاما في سجون الكيان الغاصب الرهيبة، ومن ثم تولى ادارة قطاع غزة لاثني عشر عاما، ومع استشهاد هنية تولى رئاسة المكتب السياسي اي زعامة حركة حماس. ان مراجعة هذه المسيرة تظهر لنا انه بالرغم من ان شهادته تمثل خسارة كبيرة لحركة حماس الثورية، الا انه هنالك 10 ـ 12 شخصاً بهذه الخصوصيات او قريب من هذه الخصوصيات في حركة حماس حاليا. اضافة لذلك فان للحركة الفرصة لخلق عناصر جديدة "اشبال سنوار" اذن فليست حماس في مفترق طرق.

والامر الآخر فان حركة حماس الثورية قد خاضت اشد  واصعب مراحلها. فالمرحلة بعد عمليات طوفان الاقصى كانت الاشد منذ 36 عاما. اذ لم تكن من قبل  تعاني، كما هي خلال هذا العام، هذا القدر من الحصار والضغط  والقصف. فالظروف صعبة جدا من حيث القدرة التنظيمية لادارة الشعب والمقاومة.

وحين يمر القائد بظروف معقدة ومملوءة بالمخاطر، فلا تكون ادارة جيل بالهينة، فالامور تجرى  داخل الانفاق والقتال على الارض، وفي نفس الوقت فان خلق فرص لتوسيع القدرات الدفاعية تكون صعبة للغاية. اذن فما تنتجه هذه المكاسب المعنوية والادارية جراء الصعوبات  ستتحول الى راسمال جديد لحركة حماس.

ولقد شهدنا في ايران في ارض الواقع الآثار  الكبيرة لشهادة الشهداء في ممارسة الطريق باقتدار. فالمسافة بين انتخابات رئاسة الجمهورية وشهادة الشهيد رجائي كانت 33 يوما! كما ان الفترة بين شهادة الشهيد بهشتي "رئيس السلطة القضائية" الى شهادة الشهيدين؛ رجائي وباهنر (رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء حينها) لم تتعد الشهرين!

وفي حرب السنوات الثمان كانت المسافة الزمنية بين تنصيب قائد ميداني وسقوط  آخر على الارض وتوشحه بالدماء لا تتعدى في بعض الاحيان اليوم الواحد!

وليزيد الله من عظمت الحاج قاسم حين كان يقول؛ "في احد العمليات استشهد جميع قادة الافواج والكتائب للواء 41 ثار الله، ولكن لم يحدث اي خلل في قدرة العمليات وادارتها".

فهذه التجربة استمدت من دماء الشهداء لاستمرار العمل.

والسر  في ذلك  انه حين يستشهد  شخص في جبهة الحق فان الله هو من  يملي  فراغه وان الجبهة التي تشهد الحضور الرباني لايصيبها الزلل والتراجع.

فبعد الاستشهاد يستولي  الجانب المعنوي على الجانب المادي، وفي الحقيقة يسلب  الاثر الميداني بتفوق الباطل تسليحيا ليحل محله الاثر المعنوي مما يعجل من حركة جبهة الحق.