لن تنجح السعودية والحركات التكفيرية حيث أخفقت واشنطن وتل أبيب
عقيل الشيخ حسين
منهج القتل والتدمير الذي اعتمده الكيان الصهيوني في صنع نكبة الفلسطينيين يعتمده السعوديون في صنع المزيد من النكبات في بلدان عربية أخرى. لكن هذه النكبات بالذات هي ما يفجر حركة الوعي التي بدأت تطيح بمشاريع الهيمنة في المنطقة.
لحسن الحظ أن الكثير من العرب والفلسطينيين لا يزالون يطلقون اسم "النكبة” على اغتصاب فلسطين من قبل الصهاينة، عام 1948. لأن ذلك يشكل دليلاً على أنهم يشعرون بالقهر وأنهم يمتلكون وعياً بضرورة رفع ما يتعرضون له من ظلم يمارسه الكيان الصهيوني والمتصهينون العرب.
وفاءً لفلسطين ورفضًا لوجود الكيان الصهيوني
والأكيد أن هذا الوعي هو ما يحول دون شطب فلسطين من الذاكرة لصالح الكيان الصهيوني، ودون استبدال مفهوم النكبة - الذي يجسد حالة الوفاء العربي لفلسطين، والرفض الجذري لوجود الكيان المغتصب - بمفاهيم انهزامية من نوع السلام غير القائم على العدل، والاعتدال المرادف لعدم نصرة الحق وعدم خذلان الباطل. أو من نوع الانفتاح واللاكراهية، وقبول الآخر، والازدهار الذي تقول مزاعم المتصهينين العرب بأنه سيعمّ المنطقة بفضل فتح أبواب التعاون والتكامل بين البلدان العربية والعدو الصهيوني.
ولحسن الحظ ايضاً أن أبعاد المعركة المفروضة على الأمة العربية والإسلامية قد بلغت قمة الوضوح في الكشف عن حقيقة مواقف أطراف الصراع. وخاصة في تجاوز الحالات الضبابية التي كان من الممكن فيها للمتصهينين العرب أن يخفوا ضلوعهم في مشاركة العدو الصهيوني في صنع نكبة فلسطين، وما نشأ عنها من نكبات باتت تضرب اليوم أكثر بلدان العالم العربي والإسلامي.
يوم النكبة
فنكبة فلسطين لم تبدأ عام 1948. بل عندما بدأ اغتصاب فلسطين يتحول إلى مشروع ملموس مع الوعود التي قطعها على نفسه - للبريطانيين ثم للأميركيين - مؤسس المملكة السعودية بمنح "فلسطين لليهود المساكين”، حسب تعبيره. وهذه الوعود نفسها لم يكن من الممكن لها أن ترى النور لولا حالة الفساد والاهتراء والخروج عن سبل الرشاد التي ضربت جميع إمبراطوريات "الملك العضوض” المسماة إسلامية والتي بلغت أوجها في انحلال إمبراطورية الرجل العثماني العجوز.
ولم يكن من الممكن لها أن ترى النور لولا الربيع العربي الأول الذي أخذ اسم الثورة العربية الكبرى، تلك الثورة التي طردت العثمانيين من المنطقة لتسلمها لقمة سائغة للمستعمرين البريطانيين والفرنسيين الذين كانوا يتنافسون على خدمة المشروع الصهيوني.
ولولا خيانات العديد من قادة العرب الذين شجعوا، بتوجيه من حماتهم البريطانيين، مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني على مغادرة أرضهم على وعد العودة إليها بعد أيام معدودة ريثما تقوم الجيوش العربية بطرد المستوطنين الصهاينة من فلسطين. وهو الوعد الذي ما زال ينتظر التنفيذ منذ 65 عاماً.
عصر الانتصارات
وقد شكل الرد على نكبة العام 1948 وتحرير فلسطين المحرك الرئيس للتحولات التي أوصلت القوى القومية إلى الحكم في مصر وسوريا. لكن استهداف هذين البلدين من قبل الكيان الصهيوني وحماته الغربيين وامتداداتهم العربية وفي طليعتها المملكة السعودية أدى إلى هزيمة العام 1967 وتوقيع اتفاقيات السلام والاعترافات العربية الرسمية وغير الرسمية بالكيان الصهيوني.
وفي هذه المرحلة تخلى المعسكر الذي تقوده السعودية عن فلسطين بشكل علني وتقلص الصراع العربي-الإسرائيلي إلى صراع فلسطيني-إسرائيلي، وتكاثرت الطروحات الانهزامية، وبدا لكثيرين أن كل مسعى لمقاومة المشروع الصهيوني هو نوع من العبث.
لكن المرحلة نفسها شهدت انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وهو الانتصار الذي عزز مواقع سوريا وساعد في نشوء حركة المقاومة في لبنان وغزة التي فتحت المنطقة أمام نهاية عصر الهزائم وبداية عصر الانتصارات.
ومع الهزائم التي مني بها الجيش الذي لا يقهر، على ما كانت تقوله المزاعم، وخصوصاً مع الرعب الذي استولى على الإسرائيليين من تداعيات أية محاولة للرد على هزيمتهم التاريخية في لبنان عام 2006، لا سيما وأن "السيطرة على الجليل” أصبحت موضوعة على طاولة خيارات حزب الله، أدرك المتصهينون العرب أن الهزيمة النهائية للمشروع الصهيو-أميركي قد اقتربت وأن بقاء أنظمتهم قد أصبح في حكم المستحيل.
وهكذا، قفزوا إلى مقدم المسرح ليقوموا بدور الأداة التنفيذية للولايات المتحدة والكيان الصهيوني تارة عن طريق تمويل التنظيمات الإرهابية والتكفيرية، كما في العراق وسوريا وليبيا، وتارة أخرى عن طريق التدخل المباشر، كما في البحرين واليمن.
والحقيقة أنهم تمكنوا إلى حدٍّ بعيد من صنع نكبات في هذه البلدان تفوق في ضخامتها ووحشيتها نكبة الشعب الفلسطيني وغيره من الشعوب العربية على يد الصهاينة.
لكن نجاحهم في أعمال القتل والتدمير على أوسع نطاق ممكن لن يحقق هدفهم المتمثل في ضرب محور المقاومة، بل إنه سيؤدي إلى نتيجة معاكسة تماماً. السبب هو عدم استخلاص الدروس من الحرب الأهلية اللبنانية التي سبقت الربيع العربي وإفرازاته بعدة عقود من الزمن: رغم القتل والتدمير اللذين ضربا، طيلة ستة عشر عاما، لبنان الصغير بمساحته وعدد سكانه وإمكانياته، شهد هذا البلد انطلاق المقاومة التي أدخلت الكيان الصهيوني في طور الانهيار. وحتى بعد تدمير لبنان شبه الكامل وقتل الألوف من سكانه في عدوان العام 2006، خرجت المقاومة أعز وأقوى مما كانت عليه في السابق. وبالطريقة ذاتها بدأ التاريخ بإعادة نفسه في العراق وسوريا واليمن وغيرها من البلدان التي يستهدفها عدوان المحور الصهيو-أميركي وامتداداته العربية.