التونسيون.. والثروات الوطنية
تونس ـ روعة قاسم
عاشت منطقة الفوار من ولاية قبلي الصحراوية جنوب البلاد التونسية أحداثا مؤلمة خلال الأيام الماضية استدعت تدخل الجيش الوطني وانسحاب قوى الأمن من المدينة. فقد انتفض الأهالي مطالبين بالتشغيل وتحسين الأوضاع المعيشية دون سابق إنذار.
وقد ذهب المحتجون بعيدا إلى حد إنزال العلم التونسي من فوق أحد مراكز الأمن بعد حرق هذا المركز. كما رددوا شعارات يستعملها التكفيريون عادة على غرار نعت قوى الأمن والجيش بـ"الطاغوت" وهذا ما سبب حالة من الهلع خشية أن تكون هذه الجماعات وراء هذه التحركات المفاجئة.
اكتشاف نفطي
ولعل الغريب والمثير لسخرية البعض أن خروج هؤلاء المحتجين إلى الشارع تزامن مع إعلان وزير الصناعة التونسي عن اكتشاف نفطي جديد بمنطقة الفوار أنجزته شركة تنقيب هولندية تعمل بالجنوب التونسي سيمكن تونس من طاقة إنتاجية عالية في قادم السنوات من النفط والغاز. حيث خرج بعض شباب الفوار مطالبين بالتشغيل وأيضا بنصيب من الثروة النفطية الجديدة التي لم يتم استخراجها بعد والتي يبدو وأن الشركة المكتشفة ستضطر إلى مغادرة البلاد بسبب هذه الفوضى.
لقد أصبح التظاهر والإضراب خبزا يوميا لدى فئات وشرائح كبيرة من التونسيين، ولم يتخلص التونسيون بعد من الحالة الثورية رغم انتخابهم لمؤسسات حكم دائمة. فالكل يضرب ويعتصم ويطالب بالزيادة في الأجور والرواتب وتحسين الأوضاع المعيشية غير عابئين بالوضع الاقتصادي الصعب والاستثنائي الذي تمر به البلاد.
نهاية الدولة
لقد طالب سكان ولاية تطاوين في وقت سابق بحصتهم في آبار النفط المكتشفة منذ بدايات الاستقلال وتحديدا حقل البرمة الذي يغطي نسبة هامة من حاجيات البلاد الطاقية. كما طالب سكان ولاية قفصة في وقت سابق بحصتهم في فوسفات الحوض المنجمي الذي يقع بولايتهم وتحديدا بمدن المتلوي والرديف والمظيلة وأم العرائس.
وقد تدفع هذه المطالبات سكان الشمال الغربي مستقبلا إلى المطالبة بحصتهم في الزراعات الكبرى التي تشتهر بها تلك المناطق، والساحل إلى المطالبة بحصته من مدخول إنتاج زيت الزيتون والسياحة. كما قد تدفع سكان الجنوب الشرقي إلى المطالبة بحصتهم في مداخيل الصناعات الكميائية وحقول الغاز باعتبارها ملوثة لبيئتهم، وسكان المدن الساحلية الى اقتسام الثروة السمكية البحرية وما يدره قطاع النسيج وغيره من الصناعات وتنتهي الدولة التونسية فعليا.
شعب المواطنين
وتؤكد بعض الأطراف المحسوبة على الفريق الحاكم تورط جماعة "حراك شعب المواطنين" (أنصار المنصف المرزوقي) في هذه الاحتجاجات المفاجئة والغريبة والهادفة إلى اقتسام ثروة ما زالت في باطن الأرض. كما يتهم هذا "الحراك"، من قبل هؤلاء، بالتسبب في توقف إنتاج الفوسفات في منطقة الحوض المنجمي وتوقف عمل المجمع الكيميائي بقابس الذي يقوم بتحويل الفوسفات المستخرج وهي كارثة وطنية بكل المقاييس حذر من عواقبها الوخيمة جل الخبراء الإقتصاديين.
ولعل ما دفع بالبعض إلى اتهام "حراك المرزوقي" هو المواقف التي صدرت عن أنصاره وقياديين سابقين في حزب المؤتمر الذي لم يعلن بعد عن حله رغم تأسيس حراك شعب المواطنين بعد هزيمة المرزوقي في الانتخابات الرئاسية. حيث ساند هؤلاء مطالبات أهالي الفوار بالتنمية وانتقدوا التهميش الذي تعاني منه تلك المناطق التي لم يغيروا من وضعها شيئا حين كانوا في الحكم، كما انتقد جماعة المرزوقي التعامل الأمني مع المحتجين واعتبروها من ممارسات عهود الاستبداد.