نصرالله لعون: ليس المستقبل مَن يفي بتعهّداته
نقولا ناصيف
قوبل موقف الرئيس ميشال عون بتفسيرين متناقضين: أول انه اعاد تأكيد ما قاله قبلا فاذا هو تهديد ليس اكثر، وثان ان الرجل ارسل الاشارة الاكثر جدية الى خياره تعطيل الحكومة. التفسيران صائبان، لكنهما ناقصان
كلا الحلين اللذين اقترحهما الرئيس ميشال عون البارحة، كمخرج للمأزق الراهن، يخلصان الى نتيجة واحدة: لا انتخابات رئاسية وشيكة او في المدى المنظور، ما دام الرجل يعرف انه لا يزال احد المفاتيح الرئيسية التي لا غنى عنها لامرار الاستحقاق. كلا الحلين ايضاً ليسا في اوانهما الآن، سواء انتخاب رئيس الدولة من الشعب على مرحلتين او باستفتاء شعبي، او اجراء انتخابات نيابية بمواصفات قانون الانتخاب الذي يتوخاه.
ما عناه من الرابية، ان الفراغ طويل، ولن يكتفي بما هو عليه اليوم، في اشارة واضحة الى اقتراب رئيس تكتل التغيير والاصلاح من قرار تعطيل حكومة الرئيس تمام سلام، ما دامت تعجز عن التعيينات العسكرية والامنية وعن اتخاذ القرارات.
في جانب رئيسي من ايحائه بانتقاله الى دور سلبي حيال حكومة سلام و”الشريك” الذي خذله بعد اشهر طويلة من التفاوض، وهو تيار المستقبل، شعور عون ــــ للمرة الاولى وفق ما يفصح عنه اللصيقون به ــــ بأن انفتاحه على الآخرين لم يُقابَل بما قدّمه هو لهم، وتعامله معهم بصدق. شعر ايضاً انه بمقدار تواصله معه، كان تيار المستقبل يجيّر حوارهما لمصالحه فحسب، بدءاً بتأليف حكومة سلام مروراً بالبيان الوزاري وصولا الى التشكيلات والتعيينات التي أقرّتها الحكومة في ما مضى، اضف اقرارها مشاريع انمائية. توصل الى خلاصة اضافية هي ان محاوره يصر على اهدار الوقت وعدم الرغبة في اتخاذ قرار، او قد يكون عاجزاً عن اتخاذه لأنه ليس بين يديه.
هاله كذلك ان حواره مع حزب القوات اللبنانية، في مرحلة تالية لمباشرة الحوار مع تيار المستقبل، كان يتقدّم في التفاهم على ما يشكو منه المسيحيون حيال المشاركة والمناصفة الحقيقية في الحكم، اكثر مما يتقدم الحوار مع تيار المستقبل كأنه لا يريد هذا التفاهم.
في حصيلة تقويم عون المرحلة الطويلة من التفاوض مع تيار المستقبل، وجها لوجه مع الرئيس سعد الحريري في باريس وبيروت او من خلال تواصل وزير الخارجية جبران باسيل مع الحريري ومع مدير مكتبه نادر الحريري، وصولا الى زيارات موفد الرئيس السابق للحكومة النائب السابق غطاس خوري للرابية، كان الاستنتاج بالغ السلبية، لكن من دون ايصاد الابواب نهائيا. وقد تكون المهمة الاخيرة لخوري خير معبّر عن مغزى اخفاق العلاقة مع التيار، ومن ثم فقدان الثقة.
في الزيارة ما قبل الاخيرة للرابية، عاد خوري بجواب عن سؤال عون حيال التعيينات العسكرية والامنية واخصها تعيين قائد جديد للجيش وبالذات قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز. الجواب مفاده ان مشكلة التعيينات "ليست عند تيار المستقبل، بل ان الرئيس نبيه بري هو مَن يرفض تعيين شامل روكز قائداً للجيش”.
ردّ عون: انا لا اطلب منكم ان تخبروني ما هو موقف نبيه بري، بل ماذا قررتم انتم. اترك نبيه بري عليّ.
في الزيارة الاخيرة، استكمالا للمهمة نفسها، عاد خوري بجواب آخر: "المشكلة ليست عندنا، بل هي اقليمية ونتيجة قرار اقليمي ودولي لا يسعنا تجاوزه. يسلّح الاميركيون الجيش ويتحدثون مع قائد الجيش في هذا الشأن ويتعاونون واياه، والمملكة السعودية تتولى بدورها تمويل تسليح الجيش من خلال الهبة التي قدمتها. هناك تشابك دولي صار معه تعيين قائد جديد للجيش قضية دولية. الظرف الاقليمي ليس مناسبا الآن لتعيين قائد جديد للجيش”.
ردّ: الدول هي التي تعيّن قائداً للجيش؟ وهي التي تعيّن رئيسا للجمهورية؟
قال خوري: يحدث ذلك من زمان.
ردّ: مَن تعيّن الدول ايضا؟ هناك رئيس دائرة شيعي في النبطية، هل يعيّنه الاميركيون أيضاً؟
للتوّ انهى عون المقابلة مع زائره.
في اكثر من لقاء جمعه بالامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، مذ بدأ عون تفاوضه مع تيار المستقبل، كان تعليق الحليف الرئيسي انه يشكّك في "صدق” التيار. ترك له خيار التحدث مع هذا الفريق، الا انه أنبأه مراراً بأنه "لن يصدق”، في معرض توقع رئيس تكتل التغيير والاصلاح حصوله على دعم الحريري وحلفائه لانتخابه رئيسا للجمهورية. بذلك بدت كل خيارات التفاوض بين الطرفين منذ اكثر من سنة انها اضحت امام ابواب موصدة، في الاستحقاق الرئاسي كما في التعيينات العسكرية والامنية، ناهيك بأسباب مماثلة تحول دون طرح التعيينات على مجلس الوزراء لبتها.
في لقائه الاخير قبل اكثر من اسبوعين، تفهّم نصرالله امتعاض عون من خذلان الحريري وتياره له على مرّ مراحل الحوار معه. قال له: كنت اتوقع ان تصل الحال الى ما باتت عليه بعدما نكثوا بما تعهدوا به. وذكّره بأنه سبق ان حذره، منذ اليوم الاول، من الطريقة التي غالباً ما يتبعها الفريق الآخر في التعامل معه. قال نصرالله: لم اعتقد يوماً بأن هذا الفريق يفي بكلامه.