kayhan.ir

رمز الخبر: 194099
تأريخ النشر : 2024September16 - 20:30

الكيان الصهيوني بين أول وآخر حرب يخوضها

سعدالله زارعي

خلال 76 عاماً من تاريخها الاسود خاضت "اسرائيل" ثلاثة حروب ممتدة؛ الاولى حرب عام 1948 مع الدول العربية، وحرب 1982 مع لبنان وحرب 2023 مع غزة. فيما لم تستمر سائر حروب الكيان الصهيوني بين يومين الى 51 يوما. وان اطول حرب استمرت منذ عام 1982 والى عام 2000 مع لبنان. واطلق الاسرائيليون على الحرب اسم "عمليات السلام للجليل"، في الوقت الذي لم يكن الجليل معرضاً للخطر. وبالطبع ان مسار الحروب (سواء أبدأ الكيان الصهيوني الحرب ام هو تعرض للهجوم) تعكس ان الكيان خلال مواجهة المقاومة الشعبية في فترة قصيرة، لم يكن قادراً على إنهاء الحرب لصالحه، وحين انتهت الحرب خلال فترة قصيرة، قبل بالخسارة.

ان حرب عام 1982 ضد لبنان استمرت الى عام 2000 اي طالت 18 عاما، وتحملت اسرائيل خلالها الضغط الشديد من المقاومة الشريفة لشعب لبنان، وبالتالي اضطر لترك لبنان في مرحلتين؛ عام 1996، وعام 2000. وفي الحروب التالية وحتى قبل حرب غزة الاخيرة دخل الكيان الصهيوني حروباً  بين يومين والى 51 يوماً.

من هنا يمكن القول انه بعد الانتهاء من الحرب على لبنان في عام 2000 اي خلال 25 عاما، فان حرب غزة الحالية هي الاطول.

ان الكيان الغاصب خلال حرب 1948 والتي واجه فيها هجوما مشتركا لجيوش كل من الدول؛ مصر والاردن والعراق وسوريا والسعودية واليمن، والفصائل غير المنظمة العربية ـ الفلسطينية والتي تشمل؛ جيش التحرير العربي، والنجادة، وجيش الجهاد المقدس، اضطر الكيان لتحشيد 117500 مقاتلا يهوديا في مواجهة 63500 من المجندين العرب. وتمكنت اسرائيل بعد عشرة اشهر الانتصار على القوات العربية، وكانت نتيجة الحرب ان احتلت اسرائيل جميع المناطق الفلسطينية التي رسمتها الامم المتحدة لليهود، اضافة الى 60% من المناطق الخاضعة للعرب حسب قرار الامم المتحدة. والمكسب الوحيد للجيوش العربية الحاق الضفة الغربية الى الاردن، فيما الحقت غزة الى مصر. وقد وقعت الحرب في فترة قصيرة من تشكيل الكيان الغاصب دولته اذ لم تكن دعائمه ثابتة، كما وكان السائد دوليا حالة مشككة جراء بداية الحرب الباردة، ولذا لم يكن لاسرائيل علاقات محسوبة اقليميا وخارج المنطقة.

وكان السبب الاساس في انتصار الكيان الصهيوني على القوى العربية في تلك الحرب هو الانسجام التام بين اليهود حينها بينما كان العرب يعيشون التناحر.

ومن جانب آخر لم يولي العرب الجدية الكاملة للحرب ظناً منهم ان الانتصار على اسرائيل أمر هين، لذا لم يشركوا جميع قواتهم في الحرب، فكانت ضحايا الجيش العربي 16 ألف قتيل بينما قتلى اليهود 6500، ورضخوا لوقف اطلاق النار.

لو التفتنا لمحصلة المشهد فان الكيان حديث التشكيل كان غير مستقر دوليا ولكنه خرج منتصرا في قبال جيوش ثمان دول عربية بالرغم من طول فترة الحرب ـ 294 يوما ـ وتعرضه للحصار. ولنقارن هذا الوضع مع حرب غزة الحالية، فالعدو الصهيوني دخل الحرب بهدف اخراج الفلسطينيين من غزة ـ بذريعة عمليات طوفان الاقصى ـ، وها هي تمر 342 يوماً على الحرب وعل العكس من حرب عام 1948 فالذي يواجه الكيان هم الفلسطينيون المحاصرون برياً وجوياً وبحرياً بالكامل، فيما لا تواجه اسرائيل رغم كل جرائمها باي قيود برية أو بحرية او جوية، ومع ذلك لم تتوصل الى النصر وهي مازالت تعطي الخسائر تلو الخسائر. فالمقاومة بين الحربين تعطينا رسماً بيانياً للتحولات. فاسرائيل بعد 11 شهرا تتعرض لضربات من قبل الجبهة المركزية للمقاومة اي المقاومة الفلسطينية. ومن جبهة الجنوب اي اليمنيين، ومن الجبهة الشرقية اي العراقيين، ومن الجبهة الشمالية اي اللبنانيين، اضافة الى جبهتها الداخلية التي تعيش الاضطراب. كما ان الجانب الفلسطيني مقارنة بحرب عام 1948 في وضع معاكس، اذ كانت جبهة الكيان الصهيوني متحدة داخليا، بينما العرب كانوا في تشرذم وعدم تحمل المسؤولية. فلم تشترك مصر في تلك الحرب بكامل قواها وهي التي تملك جيشاً يزيد على 300 الف مقاتل وارسلت منهم عشرين الفا. كما ان العراقيين شاركوا بـ18000 مجنداً، واليمنيين بـ 300 مقاتل، واللبنانيين 436 مجنداً! ومع ذلك لم يكن الانتصار بالنسبة لليهود صعبا، اذ لم تترك طول المدة اي انقسام بينهم. بينما اليوم تعاني اسرائيل الصراع الداخلي وحتى على مستوى قادة الجيش. صحيح ان اسرائيل تتمتع اليوم باسناد خارجي وتسليح متطور يختلف عن عام 1948، بينما لا يمتلك الفلسطينيون المحاصرون في غزة شيئا مقارنة بقدرات الجيش العربي حينها ومع ذلك فان الافق واضحا اليوم للفلسطينيين.

والسبب يعود الى:

1 ـ لقد حضر في هذه الحرب عنصر معنوي اعتقادي قوى، جماعة تؤمن بشكل حقيقي بالتعاليم الالهية وآيات مثل؛ "وان الله على نصرهم لقدير". الحج /39.

ويعولون على المدد الالهي كعلة العلل للموفقية. كما ان انتخاب "يحيى السنوار" قبل خمسة اسابيع كقائد لحركة حماس، وهو مؤشر على ان الحرب قد تحولت بقاعدتها العقدية الدينية الى معسكر لجند الله قبال جند الشيطان، وان نتيجة هكذا حرب واضحة للجميع.

2 ـ اضافة لذلك فان المسلمين لم يكن لهم جبهة واضحة في عام 1948، اذ طغى عليهم الاهمال لاسيما بعد تعدد الاستقطابات في اوروبا منذ القرن 18، 19 والى النصف من القرن العشرين، ولم يستمسك المسلمون بعروة وثقى او ما يأملون به.

ولذا كانت الدول الاسلامية مرهونة بسياسات القوى الدولية والتي لا ترغب في بقاء فلسطين كرمز لاندحارهم في الحروب الصليبية. الا ان اليوم  ورغم ان الكثير من الدول الاسلامية محسوبة على العالم الغربي، ولكن من بين هذه الدول هنالك "الجمهورية الاسلامية" التي هي حاضنة للمسلمين وسنداً.

من هنا فان فصائل المقاومة في لبنان واليمن والعراق وفلسطين و... تعتبر حفظ الجمهورية الاسلامية ضرورة أبعد من بقائهم، فهم يرون انه في عالم يهيمن عليه الاقتدار لا يمكن للمسلمين ان يطالبوا بحقوقهم دون ابراز قوتهم.

3 ـ والامر المهم الآخر في هذا الزمن ينحصر في ان المقاومة تتمتع بقدرة بحيث ان الحكومات المعارضة للمقاومة وهي "حكومات محافظة" تطلق على نفسها الاعتدال، لم تجرؤ بعد بداية عمليات طوفان الاقصى وكذلك بعد بداية حرب غزة، لم تجرؤ إظهار مماهاتها مع اميركا واسرائيل، فيما نعلم جميعاً ما الذي يدور في كواليس هذه الحكومات؟ وفي الحقيقة في مثل هكذا مشهد لا يجرؤ اصدقاء اسرائيل في المنطقة الاعراب عن دعمهم لها، بينما أصدقاء فلسطين نهضوا بقدراتهم العسكرية لدعم المقاومة.

إذ ان حزب الله ومنذ بداية الحرب دخلت الحرب، لتشعل الجبهة الشمالية لكيان الاحتلال بالمواجهة المسلحة. فيما اليمنيون اشعلوا الجبهة الجنوبية للكيان المحتل.

نعم من هكذا منظار ـ باختلاف الساحتين ـ يمكن النظر الى آفاق حرب غزة.