السودان: إكرام اللئيم …
أحمد الحباسى
السودان تخلى فجأة عن "صداقته” للشعب اليمنى، ولبس برنس العار السعودي الصهيوني، ربما لتحقيق غاية اقتصادية أو مالية ما، أو جني "ثمار” سعودية سيكتشف في نهاية الأمر أنها ثمار بمذاق صهيوني يضاعف لديه منسوب الكولسترول ويزيد لديه حالة الوهن الاقتصادي، فهل نصدق أن السودان قد دخل سوق عاصفة الحزم الدموية احتراما للشرعية الدولية، والنظام السوداني معروف بعدائه المستميت لهذه الشرعية، وهل نقنع أنفسنا بأن نظام الرئيس عمر البشير يملك شرعية أكثر من ” شرعية” عبد ربه منصور هادى، وهل يعقل أن لا ينتبه نظام السودان أن قصف الشعب اليمنى ما هو في حقيقة الأمر إلا تنفيذ حرفي لجزء من المؤامرة الصهيونية لتدمير المنطقة العربية .
قد يكون المشكل أن السودان على حافة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي بعد أن استنزف النظام كل ما "يملكه” السودان من قدرات في كل المجالات، أي أنه يلعب هذه المرة بورقة ” عاصفة الحزم” لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا النظام المتلاشي الفاقد للسيطرة على السودان، وقد يكون النظام متأسيا بجاره المصري الذي قدم إسناده لهذه العاصفة الدموية من أجل لقمة عيش للشعب المصري، لكن النظام لم يدر بخلده أنه يلعب بالنار، وهو يخسر هذه المرة بعض تعاطف الشعوب العربية مع السودان ومع بعض قضايا السودان، فضرب شعب بالطائرات هو انتهاك لكل الأعراف العربية والدولية وهو عمل صهيوني بكل المقاييس، وانخراط السودان في هذه اللعبة الدموية الخطيرة سيبقى نقطة سوداء في جبين النظام لأنه مجرد تصرف أرعن غير مقبول .
اختار الرئيس عمر البشير، المطارد دوليا، صف النظام الصهيوني السعودي، اشترى بهذه المساندة القذرة المساعدات والصمت الدولي على جرائم النظام وخرقه للقوانين الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان، اعتبر الرئيس البشير أن الشعب اليمنى لم يعد "شخصا مرغوبا فيها ”، وبلغة العلاقات الدبلوماسية فقد تم طرده، بلغة المصالح فقد تم بيعه وقبض ثمن هذه الخيانة من صندوق ” الزكاة” السعودي الصهيوني الملطخ بالدماء العربية، بهذا الفعل، نزع النظام عن وجهه كل الأقنعة الثورية الزائفة وسقط القناع عن القناع، فالشعب اليمنى ليس رخيصا إلى هذه الدرجة حتى يسام من مفلس، والدماء اليمنية ليست رخيصة إلى درجة أن تراق بدون ثمن .
قد يكون الموقف السوداني له مبرراته "الداخلية”، ومن الممكن أن هذه المشاركة السودانية سترفع عن النظام بعض "المطاردات ” والمطالب الدولية المختلفة، لكن ليس مبررا أن يرفع النظام بعض الأوجاع عن جسمه المريض بنقلها إلى الشعب اليمنى مهما كانت العلل والمبررات، فالشعب اليمنى كان دائما مع القضايا العربية بما فيها القضايا السودانية رغم ما عليها من انتقادات وإشكالات، وعاصفة الحزم السعودية التي ظهر عليها الفشل والإعياء منذ الوهلة الأولى لم تكن الفرصة المواتية للنظام ليسترجع ما فاته من ربح مادي أو نفطي سعودي، لان فاتورة هذا الاعتداء على اليمن ستكون فاتورة باهظة سيتم دفعها من كل الأطراف الإرهابية المشاركة في هذه المجزرة، فهل يقدر النظام المتهاوي على تحمل تكاليف هذه المشاركة.
لقد كان بإمكان النظام أن يجنب السودان هذه الفضيحة التاريخية، وأن يكتفي بما يقترفه من فضائح "داخلية”، لكن من الظاهر أن النظام قد لعب بالنار هذه المرة تحت ضغوط صهيونية اميركية هائلة وبعد استشارة أطراف في الحكم يعلم الجميع أنها أطراف تدفع بالسودان إلى حافة الهاوية، ومهما فعل السعودي لإضفاء "الشرعية” على هذه العاصفة الفاشلة بتطويع الجامعة العربية ومهما فعل مجلس الأمن المسخر لتنفيذ الأجندة الصهيونية في المنطقة العربية، فالجميع اليوم يدركون أن النظام السعودي ليس إلا أداة تنفيذية لهذا المشروع ومن يقترب من هذا النظام تنتقل إليه العدوى الصهيونية، لذلك من الواضح أن نظام السودان يلعب ورقته الصهيونية الأخيرة للبقاء في السلطة وتدوير الزوايا كل ذلك على حساب المصلحة السودانية وعلى حساب المصالح العربية، وإن أكرمت الكريم ملكته وإن أكرمت اللئيم تمرد.