عن الخيارات المحتملة في معركة القلمون
شارل أبي نادر
عميد متقاعد
أن تقول جرود القلمون - عرسال يعني أنت تقول معركة جرود القلمون - عرسال، فهي أصبحت اسمًا لمعركة وليست اسمًا لمنطقة ومن غير الضروري الإعلان عنها أو مواكبة انطلاقتها إعلاميّاً أو الإشارة إلى ذلك ببيان أو ما شابه، فجبهة القلمون وجرود عرسال مُشتعلة أساساً وهي بحركة كرّ وفرّ وتشهد بشكل دائم مُهاجمات واسعة أحياناً ومحدودة أحياناً أخرى ولم تتوقّف فيها عمليّات التسلّل والتسلّل المضادّ، معابرها تشهد كمائن وعمليّات تفجير بشكل دائم كما أنّ القصف الجَوّي والمدفعي والصّاروخي يغطّيها بشكل متواصل.
بعد العمليّة الأخيرة للجيش السّوري وحلفائه في القلمون حيث تمت السّيطرة على جرود عسال الورد ومعها اكتملت خطوط الانتشار والإمداد مع جرود بريتال، وتمّ فصل جرد القلمون الغربي وجرود عرسال عن منطقة الزّبداني السوريّة وبالتالي قُطِع التّواصل بين إرهابيّي "القاعدة” في بلاد الشّام (داعش والنّصرة وأخواتهما)، وبعد العمليّات النّاجحة سابقاً والتي نفّذها الجيش اللّبنانيّ في جرود رأس بعلبك حيث أمّن حماية مهمّة لوحداته وحققّ التّواصل بينها في جرود عرسال وجرود رأس بعلبك، وبعد أن باتت العناصر الإرهابيّة المذكورة شبه مطوّقة بالكامل في القلمون الغربي وجرود عرسال يُمكِن القول أنّ الخطوط الأساس للمُناورة المُرتقبة اكْتملت لتُصبح على الشّكل التالي:
أوّلاً:
في حال اتُّخِذ القرار بإكمال العمليّة وتحرير كامل القلمون الغربي وجرود عرسال وصولا إلى جرود رأس بعلبك - القاع من الإرهابيّين وتدميرهم، سيكون للخط الجنوبي بين عسال الورد وجرود بريتال أهميّة كُبرى في اعتماده قاعدة انطلاق لمُهاجمة واسعة على مِحور جنوب - شمال، وسيظهر العماد الأساس لوحدات حزب الله من خلال مُناورة مدروسة وصاعقة شهدنا فصلاً منها في اليومين الماضيين كنموذج ناجح، وسيكون للجيش السّوري مع حلفائه دور أساس في محاصرة الإرهابيّين والضّغط عليهم على كامل امتداد الخط الفاصل بين القلمون الشّرقي والقلمون الغربيّ على علو جرود الجبة جنوباً وحتى جرود قارّة وجرود القاع شمالاً مروراً بجرود فليطا والجراجير في الوسط مع تنفيذ مُساندة ودعم مُباشر للوحدات المُهاجمة بواسطة سلاح الجّو وأسلحة المدفعيّة والصّواريخ المُختلفة، وسيُتابع الجيش اللّبناني إجراءاته العملانيّة والعسكريّة الضاغطة والتي لم يتوقّف عن تنفيذها وتتمثّل بالسيطرة العسكرية على جبهة جرود عرسال والدفاع الثّابت عنها، إضافة إلى فصل هذه الجرود عن مخيّمات النازحين السّوريّين وعن البلدة مع تشديد الخناق على المصادر اللوجستيّة والبشريّة المُحتملة للإرهابيّين من ناحية الغرب، كما وسيُتابع وبِوتيرة أقوى وبِفاعليّة أوسع ضرب وضعضعة الإرهابيّين وتشتّيت عناصرهم.
ثانياً:
في حال لم يُتّخذ القرار باستكمال العمليّة الهُجوميّة وتحرير كامل القلمون الغربيّ وجرود عرسال وذلك لأسباب قد تكون مُرتبطة بالعسكريّين المخطوفين أو بالضّغوط السّياسيّة اللبنانيّة الداخليّة والتي لا يُمكن تجاهل تأثيراتها المُتعددة على الموضوع، سيكون للمُناورة الدّفاعيّة المُحْكمة تأثير كبير في الضّغط على الإرهابيّين ويُمكن بالتالي استثمارها من خلال:
- تضييق الخناق بالكامل عليهم في البقعة التي تمّت مُحاصرتهم فيها، وقطع كامل خطوط إمدادهم البشريّة واللّوجستيّة.
- مُتابعة تنفيذ رمايات الدّعم الجَوّي والمدفعيّ والصّاروخي على المراكز والعناصر الإرهابيّة وبشكل فعّال ومُركّز من خلال استغلال مراكز المُراقبة المُهمّة التي وفّرتها السّيطرة الأخيرة على تلال استراتيجيّة في جرود عسال الورد أو سابقاً في جرود رأس بعلبك.
- مُتابعة تنفيذ العمليّات النّوعيّة داخل بُقعة انتشار الإرهابيّين وتكبيدهم خسائر في العديد وفي العِتاد بِهدف استنزافهم وضرب معنويّاتهم.
وأخيراً لا بُدّ من اتّخاذ القرار والاختيار بين المُناورة الهُجوميّة النّاجحة كنُقطة تحوّل استراتيجيّة في تثبيت سيطرة الجيش السّوري وحلفائه في القلمون وامتداداً إلى ريف دمشق الغربيّ مع ما تتطلّبه من خسائر بشريّة قد تكون مُرتفعة ومُؤلمة، وبين المُناورة الدّفاعيّة المُحْكمة والتي لا تقلّ أهميّتها الاستراتيجيّة عن الهجوميّة مع ما تمثّله من ضغوط عسكريّة وسياسيّة على الإرهابيّين وعلى مَن يدعمهم داخليّاً وخارجيّاً والتي يُمكن التفكير - وبعد دراسة دقيقة وحسّاسة - بإمكانيّة استثمارها في فكّ حصارٍ ما أو تخفيف ضغطٍ ما في ريف إدلب الجنوبيّ أو الغربيّ أو في ريف حلب الشّمالي كنبل والزهراء مثلاً، وغيرها من الأماكن التي تشكل استعادة السّيطرة عليها حاجة استراتيجية ضروريّة.