روسيا تعارض ’عاصفة الحزم’ وتدعم الوجود الصيني في اليمن
جورج حداد
مع اشتداد حدة العدوان الخارجي وتسعير الحرب الداخلية في اليمن، يرتفع اكثر فأكثر السؤال الكبير: ما هو موقف روسيا مما يجري في اليمن؟
يمكن تلخيص منطلقات الموقف الروسي في النقاط التالية:
حصر النزاعات
1- ان روسيا تتجنب الانجرار الى أي نزاع محلي، داخليا كان او إقليميا، وتعمل على "موضعة” النزاعات، أي على حصر أي نزاع في نطاقه الخاص، وعدم توسعه، كي لا يؤدي ذلك الى التصادم مع اميركا، وما يحمله من خطر التحول الى حرب نووية شاملة.
الحرص على الوحدة الوطنية
ـ2ـ ان روسيا، التي يضطلع فيها الشعب الروسي والكنيسة الارثودوكسية، تاريخيا، بدور العمود الفقري للدولة، الا انها في الوقت ذاته دولة متعددة القوميات والاقليات القومية والاتنيات والأديان والمذاهب. وهي تحرص على وحدتها الإقليمية ـ الوطنية. وانطلاقا من هذا المبدأ "الروسي” الخاص، فإن روسيا تعارض الجيو- ستراتيجية الدولية لاميركا، القائمة على تفتيت مختلف الشعوب والدول (على قاعدة "فرق... تسد” لأجل "ملء الفراغ” وفرض الهيمنة الأميركية على العالم.
3- ان روسيا تؤيد وحدة اليمن أرضا وشعبا. وتؤيد حل الخلافات والنزاعات الدينية والقبلية والسياسية عن طريق الحوار بين الأطراف المتنازعة وإيجاد الحلول السلمية وليس عن طريق المدفع والاستقواء بالخارج.
حوار المواقف لا حوار المدافع
4- ان النزاع الإقليمي بين السعودية واليمن، الموروث من عهد الاستعمار المباشر القديم، والمتعلق بشكل خاص بالمنطقة الشيعية في السعودية، ينبغي حله بالطرق السلمية عن طريق المفاوضات بين مختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك الممثلون الشرعيون للسكان المعنيين، على أن تؤخذ بالاعتبار الوقائع الراهنة والحقائق التاريخية. وأن احتمال وجود "سلام هش” بين الدولتين هو أفضل من احتمال نشوب الحرب، التي يمكن أن يُعلم كيف تبدأ، ولكن لا احد يستطيع التنبؤ كيف ومتى تنتهي.
مكافحة الارهاب
5- تعارض روسيا بشدة العمليات والمجموعات الإرهابية أينما كانت، وتعتبر أنها تشكل تهديدا للمجتمع الدولي بأسره، بما في ذلك الدول التي قامت حكوماتها في وقت من الأوقات، أو تقوم الآن، بدعم المجموعات الإرهابية، كأميركا وتركيا والسعودية وغيرها.
السوق العالمية للطاقة
6- تعير روسيا اهتماما خاصا لكون السعودية لاعبا كبيرا في سوق الطاقة العالمي. وباعتبار روسيا أيضا هي منتج ومصدّر رئيسي للطاقة، فإنها تفضل انتهاج خط التفاهم والبحث عن المصلحة المشتركة بينها وبين السعودية، لا أن تكون السعودية مزاحما معاديا لروسيا في السوق العالمي. وانطلاقا من ذلك تميل روسيا الى انتهاج خط "تفهم” و”استيعاب” المواقف السعودية، حتى في أشد حالات الاختلاف، وتعزيز استقلالية السعودية وإبعادها عن التأثير والنفوذ والهيمنة الأميركية، التي تضحي بكل "أصدقائها” لأجل مصالحها الضيقة.
إيران عامل استقلال واستقرار لشعوب المنطقة
7- بالرغم من الآثار المدمرة للحرب العراقية ـ الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي، التي لا تزال تجر ذيولها حتى اليوم، فإن روسيا، المختلفة دينيا وايديولوجيا وسياسيا عن إيران، تعتبر ان الشعب الإيراني يمارس حقه الطبيعي في تقرير مصيره، وأن المجتمع الإيراني هو مجتمع فتي، ديناميكي وصاعد، ينبغي على المجتمع الدولي دعمه لا عزله والعمل لتقويضه، وان الدولة الإيرانية هي دولة مسالمة فعلا وقولا، وانها تمثل عامل استقرار إقليمي وعالمي في المنطقة، وانها قادرة على الاضطلاع بدور إيجابي كبير في تحقيق السلام والأمن لدول المنطقة، وتحريرها من الهيمنة الاستعمارية الخارجية، وحق تقرير المصير لجميع شعوبها، بكل ما فيها من اختلافات دينية ومذهبية وإيديولوجية تضرب جذورها في عمق التاريخ.
دعم الدور البناء للصين
8- تدعم روسيا الوجود الاقتصادي والاستثماري للصين في اليمن، ولا سيما في حقل الطاقة، وتعتبره نموذجا ومثالا يحتذى للعلاقات البناءة بين الدول القوية وجميع الدول الأخرى، خصوصا الدول الضعيفة التي تحتاج الى الدعم الاستثماري والتكنولوجي كاليمن.
العدوان السعودي على اليمن
الصحافة الروسية تتابع باهتمام
هذا وتتابع الصحافة الروسية، من مختلف الاتجاهات، باهتمام شديد احداث اليمن. وتنشر أنباء الحرب التي تشنها السعودية وحلفاؤها على اليمن لوضعه تحت الوصاية الأميركية ـ السعودية، كما وتنشر تصريحات ومواقف مختلف الأطراف.
ونشرت الصحيفة الالكترونية "نيزافيسيمايا غازيتا” ("الصحيفة المستقلة” كما يدل اسمها) مقالا تحليليا للصحافي ألكسي نوسكوف، وجدنا من الضروري اطلاع القارئ على عرض له، لأنه يقدم فكرة وافية عن خلفيات وعوامل تقرير المواقف الروسية من أحداث اليمن.
يقول نوسكوف: "على الرغم من جميع الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي، يبقى اليمن بقعة ملتهبة على الخريطة العالمية. وتتواصل الاشتباكات بين مناضلي منظمة "انصار الله”، المعروفين في وسائل الاعلام الروسية باسم "الحوثيين”، من جهة، والمجموعات المعادية لهم والمدعومة بشدة من قبل الرياض، من جهة ثانية”.
وحسب المعطيات الأخيرة، فإنه بنتيجة النزاع الناشب، فإن حوالى 150 الف نسمة أصبحوا لاجئين، وهناك 12 مليون نسمة مهددون بالمجاعة. كما ان عدد الضحايا يزداد بشكل متواصل.
وتحدث ممثلو القيادة العسكرية السعودية عن زيادة تكثيف الهجمات التي أدت، حسب تعبيرهم، الى تراجع الحوثيين، وتقطيع وحدة قواتهم، ووقوع أعداد كبيرة منهم في الأسر.
تهافت على الحدود السعوديةـ اليمنية
ومن جهة ثانية ازدادت في الأيام الأخيرة محاولات اجتياز الحدود السعودية ـ اليمنية من قبل المقاتلين الحوثيين. وهذا ما أثار قلقا كبيرا في الرياض. ولأجل توطيد أمن المناطق الحدودية، تجمعت فيها أعداد كبيرة من القوات السعودية، التي وضعت في حالة استنفار قتالي كامل.