امريكا “تبتز” دول الخليج الفارسي ماليا بتصعيد المخاوف من الخطر الايراني
عبد الباري عطوان
صفقات اسلحة بعشرات المليارات و”درع صاروخي” في الطريق.. فهل يتبدد القلق؟ وكيف سيكون المستقبل؟
تمارس الادارة الامريكية خطة محكمة لتخويف دول الخليج الفارسي، وبث الرعب في نفوس شعوبها وقادتها، لدفعها الى انفاق ما لديها من احتياطات مالية هائلة (تقدر بترليوني دولار) في شراء صفقات اسلحة. استخدام ايران كورقة او "فزاعة” يحتل العمود الفقري في هذه الخطة.
دول الخليجية يجب ان تكون قلقة ومرعوبة في كل الحالات، سواء كانت امريكا تستعد للخيار العسكري ضد ايران وتحشد حاملات طائراتها استعدادا لذلك او تنخرط معها في مفاوضات من خلف ظهر هذه الدول للتوصل الى حل سياسي سلمي وهو ما حدث.
نفهم ان تقنع الولايات المتحدة الدول الخليجية بانفاق مليارات الدولارات على شراء طائرات حديثة وصواريخ متطورة لحماية نفسها من اي خطر ايراني يتمثل في طموحاتها النووية، ولكن لا يمكن ان نفهم الشيء نفسه بعد توقيع اتفاق يضمن سلمية البرنامج النووي الايراني لاكثر من عشر سنوات على الاقل، ويخضعه للمراقبة الدولية، فلماذا تكديس الاسلحة واهدار الثروات العربية على شرائها؟
لو كانت صفقات الاسلحة هذه ستستخدم في معارك الامة ضد اسرائيل وبهدف تحرير المقدسات، فان هذه خطوة تثلج الصدر وتستحق التأييد، ولكن الولايات المتحدة، ومعها كل الدول الاوروبية الاخرى، التي تحول قادتها الى سماسرة اسلحة ورجال مبيعاتها، لا يمكن ان تبيع صاروخا واحدا الى اي دولة عربية، لو علمت ان هذا الصاروخ سيضرب تل ابيب، وليس طهران، او دمشق، او حتى بغداد.
المعلومات القادمة من واشنطن تقول بأن الرئيس اوباما سيجدد مساعيه لطمأنة قادة دول الخليج الفارسي اثناء لقائه بهم الاسبوع المقبل في منتجع كامب ديفيد من خلال نشر منظومة "درع صاروخي” لحماية المنطقة من الصواريخ الايرانية، وانه سيكون مستعدا لبيعهم اسلحة حديثة متقدمة وتكثيف المناورات العسكرية.
لماذا نصب بطاريات هذا الدرع الصاروخي في المنطقة الخليجية، اسوة بما حدث في دول اوروبا الشرقية مثل بولندا ورومانيا، وتعريضها الى اخطار محدقة في اي حرب مستقبلية بين الدول العظمى؟
الدرع الصاروخي المكون من صواريخ بالستية يمكن تزويدها برؤوس نووية، وتم نصبها في دول اوروبية شرقية، جاءت بهدف التصدي لاي خطر صاروخي روسي.. فهل ايران اكثر تقدما من روسيا مثلا، وهل تملك رؤوسا نووية يمكن ان تزود صواريخها بها؟
اذا كانت هذه الصواريخ الايرانية تشكل خطرا وجوديا على دول الخليج الفارسي، وتهدد امنها واستقرارها، وهي ربما كذلك، فما فائدة القواعد الامريكية (في قطر والبحرين والكويت) والفرنسية (في الظفرة بمدينة ابو ظبي) والبريطانية التي ستعود الى المنامة؟ ولماذا توجد على ارض المنطقة اذا كانت لا توفر الحماية للدول التي تستضيفها، وربما تغطي نفقاتها، بشكل مباشر او غير مباشر؟
وحتى اذا افترضنا جدلا ان هذا "الدرع الصاروخي” الامريكي ضروري لامن الخليج الفارسي، وطمأنة، وتبديد مخاوف شعوبها وحكامها معا، فلماذا جرى انفاق عشرات المليارات التي انفقتها الحكومات الخليجية على منظومات صواريخ "باتريوت” المضادة للصواريخ، والايرانية منها خاصة، ولماذا تتحدث الادارة الامريكية عن بيع صفقة اسلحة للمملكة العربية السعودية قيمتها تزيد عن 150 مليار دولار، ناهيك عن طائرات فرنسية من نوع (رافال) اشترتها قطر، وتتفاوض على شرائها دولة الامارات، تزيد قيمتها عن عشرين مليار دولار اخرى؟
انها عملية "ابتزاز” امريكي فرنسي واضحة للدول الخليجية لنهب ثرواتها، واعادة تدوير ارصدتها المالية بحيث تعود الى الغرب ومصارفه مجددا، ولا تستفيد منها الامة العربية في الخروج من ازماتها الاقتصادية والاجتماعية.
الولايات المتحدة نصبت منظومة "الدرع الصاروخي” هذه في بولندا ورومانيا، ولكنها لم تبتزها بارغامها على شراء صفقات اسلحة وطائرات امريكية حديثة بعشرات المليارات من الدولارات، بل ما حدث هو العكس تماما، اي ان واشنطن قدمت لهذه الدول مساعدات مالية واستثمارية بمليارات الدولارات، مكافأة لها على استضافتها لهذه الصواريخ.
ومن المفارقةان وجود هذه "الدروع الصاروخية” الامريكية في بولندا ورومانيا جارتا اوكرانيا لم تمنع التدخل الروسي العسكري والسياسي في الاخيرة، والاستيلاء على شبه جزيرة "القرم” واقتطاع شرق البلاد من قبل حلفائها الاوكرانيين.
الصناديق السيادية الخليجية التي قد تفقد معظم اموالها لتمويل صفقات الاسلحة من المفترض ان تشكل احتياطيا ماليا للاجيال القادمة، وتكون بمثابة "القرش الابيض” للأحوال الطارئة "السوداء”، ووقت الحاجة، الذي بات قريبا، في ظل انخفاض اسعار النفط الى مقدار النصف، وهي مرشحة للانخفاض اكثر مع قرب رفع الحصار المفروض على الصادرات النفطية الايرانية، وقدام روسيا على زيادة معدلات صادراتها.
امريكا والغرب الاوروبي "يتكالبون” على المنطقة الخليجية لنهب اكبر قدر ممكن من كعكتها المالية، ويستخدمون ورقة التخويف والترعيب بكفاءة عالية جدا، فبالامس القريب قال اوباما للصحافي الامريكي توماس فريدمان ان الخطر الاكبر على دول الخليج الفارسي ليس الخطر الايراني، وانما الشعور بالاستياء من قبل شعوب هذه الدول”، ملمحا الى البطالة في اوساط الشباب وغياب المساواة والعدالة في توزيع الثروة، اليوم يقول اوباما وفرانسوا هولاند نظيره الفرنسي، الذي حل ضيفا عزيزا على القمة الخليجية التشاورية، ان الخطر هو ايران وعليكم التسلح لمواجهته، انه تناقض غريب يكشف عن مدى استخفاف هؤلاء بالعرب والمسلمين.
طبعا لا احد يتحدث عن الخطر الاسرائيلي ربما لانه لم يعد خطرا، فاسرائيل يجب ان تظل القوة المتفوقة عسكريا في المنطقة بدليل ان كل صفقات الاسلحة المباعة، او التي ستباع لدول الخليج الفارسي ، لا تتضمن الطائرة الامريكية "اف 35” التي حصلت عليها الدولة العبرية لتكون الوحيدة التي تمتلكها غير الولايات المتحدة.
لقد تحولنا كعرب الى "اضحوكة” تتلاعب بنا امريكا كما تشاء، وتنهب اموالنا، وتمزق دولنا، وتغرقنا في حروب اهلية، وتخلق لنا الاعداء من بيننا، ونحن ننساق الى مصيدتها الدموية هذه مفتوحي الاعين، وهذه قمة المأساة والاهانة، ومن يعتقد غير ذلك فليقدم لنا براهينه.