kayhan.ir

رمز الخبر: 19073
تأريخ النشر : 2015May10 - 20:25

حينما تتهيأ الظروف وتفتح الأبواب لواشنطن!

عادل الجبوري

قد لا يكون مفاجئا بالنسبة لكثيرين مشروع القرار الاميركي الاخير المقدم الى مجلس النواب، والقاضي بالتعامل مع الاكراد والسنة العراقيين كدولتين مستقلتين، لتمنح لهم المساعدات المالية والعسكرية دون التنسيق مع الحكومة الاتحادية في بغداد.

هذا الطرح مفتقد لعنصر المفاجأة، لأنه لا يمثل شيئا جديدا في الواقع بقدر ما هو تكرار وتأكيد لأطروحات ومشاريع سابقة أبرزها مشروع نائب الرئيس الاميركي الحالي، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ سابقا جوزيف بايدن، والقائل بتقسيم العراق الى ثلاثة كانتونات على أساس قومي مذهبي، شيعي في الجنوب، وسني في الوسط، وكردي في الشمال.

وعلى مدى اثني عشر عاماً مضت، تلك التي أعقبت سقوط نظام "صدام”، وحتى قبل السقوط، لم تتوقف مراكز صناعة القرار السياسي في واشنطن، ومؤسسات الابحاث والدراسات، ووسائل الاعلام عن الحديث بخصوص تقسيم العراق، ومعه في بعض الاحيان تقسيم دول أخرى مثل سوريا واليمن وليبيا وغيرها، ولكن ان يعاد طرح الموضوع في هذا الوقت بالذات، وفي ظل تحديات ومخاطر كبيرة تحيط بالعراق والمنطقة على وجه العموم، فهذا ما ينبغي التوقف عنده طويلا، لمعرفة ما يدور في أذهان كبار ساسة الولايات المتحدة وراسمي مخططاتها ومشاريعها.

وقبل طبيعة التوقيت، من المهم والمفيد التوقف عند طبيعة وآلية طرح الموضوع، ونقطة الانطلاق والشروع.

فالمعروف أن مشاريع القوانين في الولايات المتحدة الاميركية تقدم من قبل عضو أو مجموعة أعضاء الى اللجنة المعنية، ليتم مناقشة المشروع داخل اللجنة، ثم يرفع الى مجلس النواب لمناقشته والتصويت عليه، وبعدها إلى مجلس الشيوخ، وفي حال صوّت الاخير عليه، يرفع الى الرئيس للمصادقة عليه، او العكس.

هذه الالية تعني أن مشروع القرار الأميركي المشار إليه، يتطلب إقراره المرور بعدة مفاصل ومحطات، ومن الطبيعي ان ذلك يتطلب وقتا غير قصير، ولا شك انه خلال انتقال مشروع القرار في المفاصل والمحطات الدستورية المتعددة، سيكون قد دخل المحافل والأروقة السياسية والاعلامية المختلفة، في الولايات المتحدة والعراق ودول أخرى يعنيها الشأن العراقي بنسب متفاوتة، وستبرز ردود أفعال ومواقف إما مؤيدة ومرحبة، أو رافضة ومعارضة.

وهذا يعني أن واشنطن، أرادت من خلال طرح مشروع تقسيم العراق بصيغة جديدة وصورة تبدو بعيدة عن مشروع بايدن، ان تجس نبض العراقيين والأطراف الإقليمية، وتجس نبض أوساط ومحافل سياسية في الولايات المتحدة الاميركية نفسها. وبالفعل، فإن الساحة العراقية - باعتباره الطرف المعني بالدرجة الاساس - ومعها الشارع العراقي، أخذت تموج بمواقف رافضة بشدة لمشروع القرار الاميركي، وأخرى رافضة بدرجة اقل، وأخرى مرحبة على استحياء، وأخرى مرحبة بلا تردد ولا حرج.

والى جانب جس النبض، فإن واشنطن، تريد من مؤسسات ومراكز الدراسات والابحاث الاميركية ان تفرد لهذه الموضوع حيزا واسعا من البحث والنقاش، وبالتالي لتساهم في تهيئة الاذهان وتمهيد الارضيات لقبول، او تقبل مثل تلك الاطروحات، وبالفعل أخذت تظهر الكثير من الدراسات والمقالات والتقارير التي تتناول تقسيم العراق وكأنه أمر واقع لا مناص منه، بحيث انها لا تستغرق كثيرا في موضوع التقسيم، بل تناقش وتبحث في مرحلة ما بعد التقسيم.

وكذلك تسعى واشنطن الى إحداث المزيد من التقاطعات والاختلافات والتناقضات في المشهد السياسي العراقي، وهنا فهي تفكر وتخطط لضرب عدة عصافير بحجر واحد، فهي من جانب ستضعف وتشتت الموقف المناهض لتنظيم "داعش”، سياسيا وعسكريا، وبالتالي تطيل فترة الحرب ضد هذا التنظيم مما يتسبب في استنزاف أكبر لموارد البلد، فضلا عن الخسائر البشرية والآثار النفسية، ومن جانب آخر تقلل من قوة المكون الشيعي بعد نجاح قوات الحشد الشعبي في تحقيق انتصارات كبيرة ومهمة على "داعش”، وتحولها - اي قوات الحشد الشعبي - الى رقم صعب ومؤثر في حسابات ومعادلات الميدان، والجانب الثالث، إبقاء المشاكل والأزمات الداخلية العراقية قائمة، بل وتفاقمها، من خلال تباين أو تقاطع المواقف بين الأكراد والسنة والشيعة، وهذا ما لاحت بعض بوادره وملامحه تحت قبة البرلمان مؤخرا.

واللافت أن كبار الساسة في أميركا، يدّعون انهم مع العراق الواحد الموحد، وان الدعم الذي يقدمونه لا يمرُّ الا من خلال الحكومة الاتحادية، وهذا ما قاله نائب الرئيس الاميركي جوزيف بايدن في آخر مكالمة هاتفية له مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قبل أربعة أيام، وما قاله السفير الاميركي في بغداد ستيوارت جونز لعدد من الزعماء السياسيين الذين التقاهم مؤخرا على انفراد، بيد ان هؤلاء الساسة الاميركان أنفسهم يؤكدون للأكراد انهم يتعاطفون مع مطالبهم، ولعل أحد أهداف زيارة رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني الى الولايات المتحدة الاميركية في هذه الايام، تمثل في طرح مشروع اقامة الدولة الكردية المستقلة، والمطالبة بدعم واسناد واشنطن، وكذلك فإن هؤلاء الساسة الاميركان يبذلون ما في وسعهم لتقوية المكون السني، انطلاقا من حقيقة زائفة ليس لها مصاديق، وهي أن هناك تهميشا وإقصاء كبيرين يعاني منهما هذا المكون، إضافة إلى حرمانه من الدعم الحكومي بالمال والسلاح لكي يتصدى لتنظيم "داعش” في المحافظات الغربية، علما ان هذا المكون يمتلك حضورا مهما في السلطة التنفيذية المتمثلة برئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء، وحضورا مهما في السلطة التشريعية(البرلمان)، اضافة الى مختلف المفاصل الحكومية العليا، لا سيما المؤسسات الامنية.

وكما يقول سياسي عراقي رفيع المستوى "اننا نسمع كثيرا من الاميركان حرصهم على استقرار العراق ووحدته وازدهاره، الا اننا لم نلمس ذلك ابدا في أفعالهم”.

ولا يقتصر الدفع باتجاه التقسيم من قبل واشنطن على تحريك وتوظيف الادوات والوسائل الاميركية بهذا الخصوص، بل يمكن للمتابع أن يجد أن واشنطن، تعمل على تحريك وتوظيف أدواتها ووسائلها الإقليمية وان كان بصورة غير مباشرة، فـ”الإعلام العربي”، متمثلا بعدد من القنوات الفضائية المعروفة، والصحف واسعة الانتشار، ومواقع الانترنت وصفحات التواصل الاجتماعي، ساهم في التهويل من قضية المظلومية السنية في العراق، وخطر الهيمنة الشيعية على مقدراته، ولا تقتصر المهمة على وسائل الاعلام العربية فقط، بل ان المنابر السياسية تساهم بذلك ايضا، وعلى اعلى المستويات، فذاك الملك الاردني عبد الثاني يتحدث قبل بضعة ايام لشبكة (سي.ان.ان) الاميركية بطريقة تبدو تحريضية الى حد كبير، اذ يقول "القضية الأساسية هي كيف يتم دعم الأكراد بشكل صحيح لأن ذلك في غاية الأهمية، وكيف يمكننا التواصل مع جميع المكونات السنية وأن نشعرهم بأن لهم مستقبلا، وأنهم ليسوا وحيدين، واذا أخفقنا في إيجاد حل لمعضلة مستقبل السنة السياسي في العراق، سوف يتوصلون لاستنتاج مفاده أنه ما الفرق بين بغداد وداعش؟”.

والغريب أن الملك عبد الله الثاني، لم يشر الى ان الارهاب القاعدي، وبعده الارهاب الداعشي استهدف كل مكونات الشعب العراقي، ولم يستهدف السنة والاكراد فقط، وان المدن ذات الغالبية الشيعية، ومن بينها العاصمة بغداد تعرضت لموجات متواصلة من الارهاب الدموي الذي سقط بسببه الاف الابرياء.

وبالصيغة نفسها وبمضمون ما يتحدث به عبد الله الثاني، يتحدث زعماء وساسه عرب، حتى ليبدو انهم يصبون الزيت على النار ليزيدونها اشتعالا، وهو ما تريده الولايات المتحدة الاميركية وتسعى إليه، والا لماذا يطرح مشروع التقسيم في هذا الوقت بالذات وبطريقة او بإطار جديد؟.

والحقيقة التي ينبغي إدراكها وفهمها، انه بدون مواقف عراقية وطنية موحدة ورصينة ومتماسكة ومسؤولة، فإن واشنطن ستجد الظروف مهيئة والابواب مشرعة أمامها، لترسم خرائط مشوهة، وتفرض حقائق مؤلمة، وتصيغ معادلات مختلفة.