kayhan.ir

رمز الخبر: 19070
تأريخ النشر : 2015May10 - 20:25

لارسن في مجلس الأمن: درس في الوصاية الدولية على لبنان

حصلت "الأخبار”، من مصادر دبلوماسية في نيويورك، على نصّ الإحاطة الدورية التي يقدمها ممثل الأمين العام تيري رود لارسن في الجلسة المغلقة لمجلس الأمن حول تطبيق القرار 1559. دروس في الوصاية الدولية يقدمها هذا الموظف الأممي تتعلق بأدق تفاصيل الحياة السياسية في لبنان، من تحديد أي سياسة خارجية ينبغي اتباعها، إلى مطالبة السياسيين اللبنانيين بالتوقف عن "اللعب”.

القرار 1559 يتعلّق بالحفاظ على "سيادة” لبنان و”استقلاله السياسي”، وانسحاب "القوات الأجنبية” من البلد، وانتخاب رئيس جديدٍ للجمهورية (عام 2004) "بلا تدخلات خارجية”، وحلّ الميليشيات المسلحة. بهذا المعنى، لم تعد أغلب مواد القرار ذات مغزى بعد انسحاب القوات السورية عام 2005 وانقضاء عهد الرئيس إميل لحود؛ إلّا أنّ خطاب لارسن أمام مجلس الأمن يوحي بأن الدبلوماسي قد أعطى القرار "تفسيراً موسّعاً” يضعه في موقع المشرف على كامل العملية السياسية اللبنانية، من انتخاب رئيس جديد للجمهورية، إلى الحوار بين الأحزاب، إلى أحوال سجن رومية والسياسة الخارجية للحكومة.

لا يكتفي لارسن بالتعليق على الوضع السياسي الداخلي، بل يأخذ مواقف جازمة، ويطلب توجيه السياسيّين اللبنانيين ــــ في شؤونهم الوطنية ــــ بلهجة آمرة. هو مثلاً، حين يتكلّم عن التأخير في انتخاب رئيس للجمهورية، يعتبر العجز السياسي "عملاً أقلّ ما يمكن وصفه به أنّه غير مسؤول”، جازماً بأنه "يجب انتخاب رئيسٍ فوراً!”. أكثر من ذلك، يدعو لارسن القوى العظمى في خطابه إلى إفهام السياسيين اللبنانيين أن "هذه الألعاب السياسية يجب أن تتوقف”، وأن يسيروا لانتخاب رئيس جديد. حجّة لارسن، وهو يصدر أحكامه السياسية، هي المصلحة العليا للبلاد؛ ولكن، من الذي أعطاه السلطة لتحديد مصلحة لبنان أساساً، وما علاقة هذه القضايا بانتدابه الأممي ومواد القرار 1559؟

السلوك نفسه ينطبق على "جولة” لارسن على السياسة الداخلية، وثنائه على الحوار الذي يعقده تيار المستقبل مع حزب الله، والقوات اللبنانية مع التيار الوطني الحرّ، وهي قضايا داخلية بحت لا يمكن، تحت أي تفسير، فهم علاقتها بالقرار الأممي؛ إلا أن "اجتهاد” تيري رود لارسن جعلها، كالحوار الوطني والسياسة الدفاعية، في صلب اهتماماته ومن عناصر الوصاية الأممية تحت مسمّى "القرارات”.

السيادة الناقصة

يبدو أن لارسن يعيش في كوكبٍ آخر. على الرغم من أنّ أكثر الانتهاكات للقرار 1559، وللسيادة اللبنانية، قد جاءت من طرف الجيش الإسرائيلي، إلا أن كلمة "إسرائيل” لم ترد مرّة واحدة في الخطاب. وعلى الرغم من أنّ القصف الإسرائيلي على لبنان قد قتل عنصراً أممياً من قوات حفظ السلام، إلا أن لارسن اكتفى بالكلام عن "أحداث في الجولان وعبر الخط الأزرق”، وأنها تشكل "انتهاكاً لسيادة لبنان” وللقرارات الأممية، متأسفاً على مقتل جندي إسباني في القوات الدولية عقب عملية شبعا الأخيرة، من دون أن يحدد الطرف المذنب رغم أن تحقيق الأمم المتحدة أظهر مسؤولية الإسرائيليين عن قتله.

إلا أنّ لارسن عرض على مجلس الأمن خلال خطابه، مرتين على الأقل، اقتباسات من خطب للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، متّهماً الحزب بتأجيج التوتّر ضد إسرائيل، مع أنّ المقاطع التي عرضها تتكلّم بوضوح عن الردّ على الاعتداء وحقّ الدفاع عن النفس في وجه هجمات إسرائيلية.

أمّا في ما يتعلّق بالحرب في سوريا والمعارك على الحدود، فلا يبدو أن لارسن على علمٍ بالمواجهات التي دارت لأكثر من سنتين بين حزب الله والمجموعات السورية المسلّحة، من الحدود الشمالية والقصير إلى القلمون وجرودها، إذ يعتبر المبعوث الدولي أن انخفاض وتيرة القصف والهجمات من الجانب السوري، والعمليات الانتحارية في الداخل، يعود لجهود القوى الأمنية اللبنانية والمساعدات التي تلقتها من الخارج. الطريف هو أنّ لارسن يذكر الغارات الجوية للجيش السوري في المناطق الحدودية، منبّهاً إلى أنها تشكّل انتهاكاً لسيادة لبنان وللقرار 1559.

ولدى حديثه عن الجيش اللبناني، يستعمل لارسن تعبيراً فريداً للحديث عن الدعم الأجنبي الذي تتلقاه المؤسسة العسكرية من فرنسا والسعودية والولايات المتحدة. يسمّي هذا الدعم "مساعدات موجّهة”، بمعنى أنّها تسمح للجيش بمجابهة تحديات أمنية محدّدة (وتمنعه عن مهمات أخرى)؛ ويؤكد ضرورة استمرار هذا الدعم الذي يهدف إلى إعطاء الجيش "ميزة تفوّق” على المجموعات المسلّحة التي قد تعبر الحدود.

الداخل والخارج

إذا كانت وثائق "ويكيليكس” قد أظهرت تيري رود لارسن، مع الخارجية الأميركية وزعماء 14 آذار، يعملون كفريقٍ واحد وينسّقون معاً في الشؤون الوطنية والخارجية، فإن خطاب لارسن في الجلسة المغلقة لمجلس الأمن كان يمكن أن يلقيه أحمد فتفت.

التشابه بين لغة لارسن وخطاب 14 آذار السياسي أكبر من أن يُعزى إلى الصدفة وتلاقي المصالح: يعبّر لارسن عن "قلقه العميق” من خطاب السيد نصر الله، ويعرض اقتباسات من كلامه على الشاشة لتبيان مقدار "خطورته”، بل ويستفظع هجومه السياسي على المملكة العربية السعودية بسبب حرب اليمن. ولا ينسى أن يمدح وزارة الداخلية ونشاطات أجهزتها الأمنية.

تصل اللغة "الانتدابية” للارسن إلى قمّتها حين "يفتي” بأن الموقف الوطني الوحيد الصالح في لبنان هو في النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية ومشاكل المنطقة، وأن "قدرة لبنان على الانفصال عن صراعات المنطقة، سواء في سوريا أو في اليمن، هو مؤشر على استقلاله وسيادته”. ويلوم حزب الله لأنّه أخذ موقفاً من حرب اليمن، من دون ذكر انحيازات الأطراف الأخرى. وقال حضورٌ شهدوا الجلسة إنّ لارسن كان يعلّق بلهجة ساخرة على الاقتباسات التي عرضها من كلام الأمين العام.

هكذا تجعل القرارات الأممية من لبنان، بساحته السياسية وقراره الخارجي، ميداناً لوصاية موظفين أجانب معروفين بتبعيتهم للولايات المتحدة وقربهم من الصهيونية. أمّا عن التشابه بين خطاب لارسن وخطاب الزعماء اللبنانيين الذي طالما احتفوا به، ونسقوا معه، واستمعوا إلى أوامره، فلا يعود المرء قادراً على تحديد ما إذا كان لارسن يستوحي كلامه منهم، أو هم الذين يستنسخونه.

رجل أميركا

تيري رود لارسن، ديبلوماسيّ نروجيّ مخضرم، لعب دوراً في سياسة الشرق الأوسط (غالباً كجزءٍ من مبادرات أميركية وغربية) منذ أوائل التسعينيات، حين كان من بين الوسطاء الذين مهّدوا لعقد اتفاق أوسلو؛ وقد طمح إلى منصب الأمين العام قبل أن يرضى برئاسة "المركز الدولي للسلام” في نيويورك، الذي أنشأته الأمم المتحدة. يرمز لارسن أيضاً، مع العديد من أترابه في الأمم المتحدة، إلى تحوّل المنظّمة الدولية في العقدين الماضيين إلى أداةٍ طيّعة في يد السياسة الأميركية. يتذكّر اللبنانيون يوم كشفت وثائق "ويكيليكس” عن حرب تمّوز في عام 2006، كيف أن الموظّف النرويجي في الأمم المتحدة، يستضيف، في جناحه في فندق "الفينيسيا”، السفير الأميركي جيفري فيلتمان، وسياسيين لبنانيين لتنسيق الخطوات الأميركية والأممية في الحرب. يومها، بحسب الوثيقة، غادر مبعوث الأمين العام، غير بيدرسون، الغرفة خوفاً من أن يشعر باقي أعضاء الوفد الأممي بـ”تواطؤ” بين الخارجية الأميركية ولارسن (أطلع لارسن جيفري فيلتمان على مبادرة "فخ” يحضّرها للإيقاع بحزب الله، ونصح باجتياح إسرائيلي بريّ للبنان).