kayhan.ir

رمز الخبر: 19005
تأريخ النشر : 2015May09 - 21:21

البحرين و ثورتها، النموذج البحريني

أحمد الحباسى

لعل الثورة البحرينية من الثورات القليلة في العالم العربي خصوصا و العالمي عموما التي تستحق صفة السلمية ، و رغم أنه لم يعد مقبولا من الناحية الأكاديمية العلمية أن نسقط مقاييس الثورات الأخرى على الثورة البحرينية الفتية فإنه من المنطقي أن نعترف أن للثورة البحرينية عديد الخصوصيات الايجابية التي لا نجدها في الثورات العربية الحديثة أو في بعض الثورات " الأجنبية” التاريخية ، و لعل القائلين في حينه أن الثورة التونسية لا يمكن أن تتشابه مع الثورة الليبية ، و النتائج و التطورات الحالية أحسن تعبير ، عليهم الاعتراف اليوم أن الثورة البحرينية ليست الثورة التونسية و ليست شبيهة بأية ثورة أخرى ، و من الممكن أن تتشابه الظروف و الأوضاع و السمات المؤدية للثورة من بلد إلى آخر و لكن من غير المعقول أن تتطابق.

لعل الثورة في البحرين لم تتصادف مع بقية الثورات العربية التي حدثت في سنة 2011 ، سواء من حيث "الأقدمية” أو من حيث المسارات ، و لعل الأوضاع السيئة في تونس و مصر بالذات لا يمكنها أن تتناسب منطقيا مع الأوضاع في البحرين ، اقتصاديا على الأقل ، لكن من المهم التنويه أن الثورة البحرينية قد أخذت مسارات متصاعدة معينة تختلف كثيرا عن مسارات بقية الثورات العربية الأخرى ، مرحلية الاحتجاجات في مملكة البحرين بدأت في ميدان اللؤلؤة الشهير بقيادة حركة 14 فيفرى و هي حركة شبابية تعتمد وسائل الاتصال الاجتماعي الحديثة لتحفيز الشارع ، و هذا مهم ، لأنه يعبر عن تجذر المطالبات الاجتماعية في عمق الطبقة الشبابية المتعلمة ، و هو يمثل رافدا مهما للحركة الاجتماعية ككل و يعطيها زخما غير مسبوق يحرج الطبقة الحاكمة الفاسدة و من يرعاها من الأنظمة الخليجية و الصهيونية، أيضا أن تستقطب الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة منذ سنة 2011 إلى الآن كل القطاعات المختلفة من أطباء و محامين و مثقفين و رجال تعليم و أحزاب بما يعرف بالجمعيات السبعة إلى آخر القائمة فهذا ليس بالأمر الهين في مجتمع تحكمه القبضة البوليسية القمعية.

لم يكن سهلا على حركة المعارضة الشعبية البحرينية أن تتمسك بخيار سلمية المظاهرات ، فالمخابرات البحرينية السعودية لم تدخر جهدا في سبيل تشويه المعارضة و إثارتها بكل الوسائل الرخيصة المعروفة حتى تجد المبرر لحملات الاعتقال و المحاكمات المفتعلة التي لعب فيها القضاء دورا مخلا و لعبت فيها بعض الأقلام القذرة دورا لئيما أخرجها من الوجدان الشعبي ، و قد سعت وسائل الإعلام الخليجية في موقف رخيص للتعتيم على حملات الاعتقال و القتل و السجن و التعذيب التي طالت رموزا مهمة لهذه الثورة السلمية المطالبة بالتحول إلى نظام الملكية الدستورية و وضع دستور جديد و إلغاء الصلاحيات العريضة الممنوحة لمجلس الشورى و تعديل الدوائر الانتخابية و إطلاق سراح المعتقلين السياسيين و إعطاء البعد الاجتماعي الاقتصادي حيزا هاما في سلم أولويات الحكومة ، فالقناة القطرية " الجزيرة” التي كانت المظاهرات و عمليات التعذيب و القتل تحدث على بعد أمتار من نافذتها لم تحرك ساكنـا و اكتفت بمتابعة فياضات العالم و بالطبع حملات شواء لحوم الشعب السوري على يد قطعان الإرهاب السعودية.

يمثل دوار اللؤلؤة ساحة يفتخر بها البحرينيون رغم كم الآلام و التعديات البوليسية القمعية اليومية ، هناك سقط الشهداء و هناك استباح البوليس السياسي البحريني كل الخطوط الحمراء ليتحول إلى بوليس نازي يأتم معنى الكلمة في تشابه كبير مع البوليس السياسي الألماني في الحرب العالمية الأولى ، و الصور القليلة التي استطاع البعض إيصالها للأعلام العالمي تؤكد الصبغة البربرية الوحشية القمعية للنظام و تعطى للعالم دليلا إضافيا على سلمية المظاهرات الشعبية ، وبهروب هذا النظام الدموي إلى الأمام و تعبيره الواضح عن استعداده لقمع هذه المظاهرات و إخمادها بحمام من الدم ، كان لافتا أن يتجاهل الشعب البحريني هذه السطوة القمعية للتعبير عن استعداده لتقديم ضريبة الدم أو ما سمى "بحراك الدم " بحيث دخل معطى القتلى اليومي كمحرك جديد و فاعل لمزيد الضغط السلمي على نظام القمع و العمالة البحريني الذي تجاوز كل الحدود في تعامله مع الطلبات الشعبية.

لم يقدم النظام المأسوي في البحرين أية تنازلات في أهم المطالب والملفات المطروحة للتداول رغم ارتفاع بعض الأصوات الدولية الخجولة و المنافقة سواء من بعض المنظمات الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان أو بعض الدول الغربية التي تصم الآذان بدفاعها الانتهازي عن الديمقراطية ، و لعله من المفارقات الحزينة المؤلمة أن نسمع صوت النظام فى المناسبات الدولية داعيا لمساندة ما يسمى نفاقا بالثورة السورية القذرة و "يختشى” أن يتجاوب مع كل المطالب الشعبية المطروحة عليه ، و هذه " الخصوصية” في التعامل بمكيالين ليست خصوصية بحرينية فقط بل هي خصوصية خليجية بامتياز ، و عندما يذهب النظام في حصر معالجته للمطالب الاجتماعية في الجانب البوليسي القمعي فهو يعبر للعالم المتحضر عن إفلاس و نزعة فطرية شريرة دموية من شأنها أن تطيل معركة الحريات و استعادة الأمل، لكنه لا يفهم أن إرادة الشعوب الحرة لا تقهر مهما وصل القمع و التعذيب و القتل ، بإمكان البراكين أن يخفت صوتها لحظة واحدة ، لكنها لن تموت ، و مع الوقت لن يستطيع نظام الثلاث ورقات الصمود فى وجه المظاهرات الشعبية السلمية المهيكلة و سيسقط كقصر الرمال بكامل السهولة.